[ما هو القول الراجح في نسخ الكتاب بالسنة؟]
ـ[سلسبيل]ــــــــ[07 Sep 2005, 02:01 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يجوز نسخ الكتاب بالسنة؟ وهل يجوز نسخ المتواتر بالآحاد؟
وجزاكم الله خيرا
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[08 Sep 2005, 11:42 ص]ـ
هذه المسألةَ اختلفَ فيها أهل العلم على قولينِ خُلاصتُهَا ما يلي:
القول الأول: عدم جوازِ نسخِ القرآنِ بالسنّةِ، وبه قال الثوريُّ والشافعيُّ وأحمدُ – في روايةٍ – وطائفةٌ مِن أصحابِ الإمام مالكٍ.
قال الإمام الشافعيُّ:" وأبانَ الله لهم أنّه إنّمَا نسخَ ما نسخَ مِن الكتابِ بالكتابِ، وأنّ السنّةَ لا ناسخة للكتابِ وإنّمَا هي تَبَعٌ للكتابِ ". (1)
وسُئِلَ الإمام أحمد: تنسخُ السنّةُ شيئًا مِن القرآنِ؟ قال:" لا يُنْسَخُ القرآنُ إلاّ بالقرآنِ ". (2)
ورجَّحَ هذا القولَ ابنُ قدامةَ (3) وابنُ تيميةَ. (4)
وأشهر أدلّتهم ما يلي:
1 – قول الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (البقرة: من الآية106) والسنّةُ لا تساوي القرآنَ ولا تكونُ خيرًا مِنه. (5)
2 – قول الله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ? قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ} (النحل: 101 - 102).
3 – احْتَجَّ بعضهم بحديث جابرٍ رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلمقال: [كَلامِي لا يَنْسَخُ كَلامَ الله، وكَلامُ الله يَنْسَخُ كَلامِي، وكَلامُ الله يَنْسَخُ بَعْضُهُ بَعْضَه] (6).
وهذا الحديثُ لو صَحَّ لكانَ قاطعًا للنزاعِ لكن لَمْ يَصِحَّ. بل حُكِمَ عليه بالوضْعِ.
القول الثاني: جواز نسخِه، وهو رأيُ أبي حنيفةَومالك وأكثر أصحابه ورواية عن الإمام أحمد وهو قولُ الأكثر (7) ورجّحه الشنقيطيّ (8).
ودليلهم أنّ الكُلَّ مِن عند الله، والناسخُ حقيقةً هو الله ? على لسانِ رسوله ? بِوَحْيٍ غيرِ نَظْمِ القرآنِ. (9)
وبَسْطُ هذه المسألةِ بِذكْرِ أدلّةِ كُلِّ قولٍ وجواب كُلِّ فريقٍ عن أدلّةِ الآخر يَطُولُ وليس هذا مقامه (10)، وسواءً قُلنَا بالجوازِ أو بالمنعِ مِنه فإنّ هذه المسألةَ لا وجودَ لها أصلاً، فلَمْ يَرِدْ نَصٌّ مِن السنّةِ نسخَ نَصًّا مِن القرآنِ، والذينَ قالوا بالجوازِ لَمْ يذكرُوا مثالاً صحيحًا يؤيّدُ ما قالوه، وما ذكرُوه مِن الأمثلةِِ - وهو قليلٌ جدًّا – غيرُ مسلّمٍ لهم، إذْ هو مِن قَبِيلِ البيانِ أو التخصيصِ، لا مِن قَبِيلِ النسخِ. أو هو مَنسوخٌ بآياتٍ أخرى مِن القرآنِ يعضدها ما ذكرُوه مِن السنّةِ
قال الزركشيُّ:" كُلُّ ما في القرآنِ مِمّا يُدَّعَى نَسْخُه بالسنّةِ عند مَن يراه فهو بيانٌ لحكمِ القرآنِ ". (11)
وقال أبو الوفاءِ بن عقيل:" واختلفَ القائلونَ بذلك والمانعونَ مِنه هل وُجِدَ ذلك؟ فقال قومٌ: لَمْ يُوجد ذلك، وإليه ذهب شيخنا الإمام أبو يعلى، وابن سريج مِن أصحابِ الشافعيّ، وقومٌ مِن المتكلّمين ". (12)
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية:" وبالجملةِ فلَمْ يثبت أنّ شيئًا مِن القرآنِ نُسِخَ بِسُنَّةٍ بلا قرآنٍ ". (13)
وقال الزرقانيّ بعد أنْ ذكر أمثلةَ القائلينَ بِنَسْخِ القرآنِ بالسنّةِ وأجاب عنها:" ومِن هذا العرْضِ يخلص لنا أنّ نسخَ القرآنِ بالسنّةِ لا مانعَ يمنعهُ عقلاً ولا شرْعًا،غايةُ الأمرِ أنّه لَمْ يقعْ لعدمِ سلامةِ أدلّةِ الوقوعِ كما رأيت ". (14)
وقال البعليُّ () في الاختيارات الفقهيّة:" جميعُ ما يُدَّعَى مِن السنّةِ أنّه ناسخٌ للقرآنِ غَلَط ". (15)
وإذا تقرَّرَ هذا فإنّ الخلافَ في هذه المسألةِ خلافٌ لا يترتّبُ عليه أثرٌ كبير، والخَطْبُ فيه يسير والله اعلم.
[ line] الحاشية
(1) الرسالة للشافعي صـ (106).
(2) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 564).
(3) انظر: روضة الناظر صـ (78).
(4) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (17/ 195، 197) و (19/ 202) و (20/ 398).
(5) انظر: روضة الناظر صـ (78)، الواضح في أصول الفقه (4/ 260).
(6) الحديث رواه الدارقطنيّ في سننه في كتاب: النوادر (4/ 145) برقم (9)، ورواه ابن عديّ في الكامل في ضعفاء الرجال (2/ 443)، ورواه ابنُ الجوزيّ في العلل المتناهية مِن طريق ابن عدي (1/ 125) برقم (190). قال ابنُ عديّ في الموضع المتقدّم:" حديثٌ مُنكر وفي إسناده جبرون بن واقد الأفريقي ".
وقال الذهبيّ عنه:" ليس بثقةٍ روى بقلّةِ حياءٍ عن سفيانَ عن ابي الزبير عن جابرٍ فذكر الحديث " انظر: المغني في الضعفاء (1/ 199).
وقال ابنُ حجرٍ:" مُتّهمٌ " ونَقَلَ عن الذهبيّ أنّ الحديثَ موضوعٌ. انظر: لسان الميزان (2/ 117).
وانظر: شرح مختصر الروضة (2/ 322)، مذكرة في أصول الفقه صـ (83).
(7) انظر: إرشاد الفحول (3/ 639).
(8) انظر: مذكرة في أصول الفقه صـ (83).
(9) انظر: روضة الناظر صـ (78).
(10) راجعه إن شئتَ: مِن كُتُبِ أصول الفقه: الرسالة صـ (106)، الواضح في أصول الفقه (4/ 258)، روضة الناظر صـ (78)، شرح مختصر الروضة (2/ 320)، تقريب الوصول صـ (318)، مجموع فتاوى ابن تيمية (17/ 195، 197) و (19/ 202) و (20/ 398)، إرشاد الفحول (3/ 639)، مذكرة اصول الفقه صـ (83)، معالم أصول الفقه عند أهل السنّة والجماعة صـ (267).
ومِن كُتُبِ علوم القرآن: البرهان في علوم القرآن (2/ 37)، الإتقان في علوم القرآن (2/ 701)، مناهل العرفان في علوم القرآن (2/ 237) وقد توسّعَ في الحديثِ عن المسألة.
(11) البرهان في علوم القرآن (2/ 50).
(12) الواضح في أصول الفقه (4/ 260).
(13) مجموع فتاوى ابن تيمية (20/ 398).
(14) مناهل العرفان في علوم القرآن (2/ 243 - 244).
(15) الاختيارات الفقهية صـ (13).
¥