تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مفهوم الأمة عند مفسري القرآن في التراث الإسلامي للباحث الجزائري محمد حرير]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 May 2005, 07:55 ص]ـ

توطئة:

مما لا شك فيه أن التنزيل العظيم أقر بوضوح لا لبس فيه أن الناس مصدرهم من أصل واحد، كما حاول الوقوف أمام دعائم مزعومة من طرف الفكر القبلي والإقليمي التعصبي وذلك حين نزوله، سواء عند العرب أو عند من هم في جوارهم من امبراطوريات وأقوام غير عربية. وبالتالي رفض أن يكون أساساً مثل هذه الدعائم عماداً للمجتمع المنشود، بل يجعل من المستحيل أن يقوم عماد بنيان الأمة الجديدة على تلك الأسس التي هي من عزاء الجاهلية، ذلك لأن ما يهدف إليه القرآن في نظرته الشمولية للناس هو تكوينه أمة مفتوحة، وأن مايهدف إليه ذلك العزاء الجاهلي هو إطار مغلق.

والمتتبع منا لنصوص القرآن العظيم، يجد الكثير من آياته لا تقيم أي اعتبار للدعائم الواهية، سواء أكانت تمت بصلة إلى رابطة العرق أم إلى رابطة المصالح والمنافع، أو إلى كل ما يمت بصلة إلى عنصر (الأنا) والذي يصب كله في فضاء ضيق الأفق، هذا ناهيك عما يترتب عن هذا كله من تشتت للشمل وزرع لروح الحقد والتفرقة في أرجاء المعمورة كلها. وعليه فإن القرآن العظيم ليعد بحق أول فاتحة تأسيسية لمفهوم الأمة بمعناها الجديد، ذات الأفق الواسع والمتساوي والقائم على وحدة المستقبل والعقيدة، فهو أول ما انطلق إلى الوجود، انطلق بدعوته الإنسانية الشاملة والرافضة للقبلية والعشائرية فكان خطابه للإنسان من غير النظر إلى زمانه ومكانه.

غير أن الذي يهمنا هنا أكثر، هو أن القرآن العظيم بدأ يستقطب الفكرة الجديدة في تكوين الأمة، رافضاً كل ما سواها بأساليبه الإعجازية، فكان له منطقه الخاص في حل الإشكال القائم حين ذاك، وهذا ما سنقف عنده في معرض حديثنا عن مفهوم الأمة ودلالتها من خلال مفسري القرآن العظيم.

ومن هذا المنطلق نجد بوجه عام، وخاصة لدى أهل التفسير في تراثنا الإسلامي، أنهم واجهوا صعوبات مختلفة شبيهة من جوانب عديدة بتلك الصعوبات التي واجهها الدارسون للمفهوم ذاته أثناء دراستهم الوضعية منذ العصور الوسطى وحتى عصرنا الحاضر، ومن بين تلك الصعوبات التي واجهها أهل التفسير حين تبيينهم لمفهوم الأمة في القرآن العظيم، هو خلو الخطاب القرآني ذاته من أي تعريف لغوي أو اصطلاحي لدلالة لفظ (الأمة) بصيغة صريحة.

غير أن أهل التفسير من جهة أخرى، لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الأمر، إذ نراهم في كثير من تفاسيرهم قد عالجوه بطريقة التأويل، وما زاد في إشكالية الأمر كذلك، هو ورود هذا المصطلح (الأمة) في القرآن العظيم بصيغ متعددة وبعدد قد بلغ أربعاً وستين مرة.

وقبل البدء في تفصيل ذلك، نود أن نشير إلى أننا لا ننوي من خلال مقالنا هذا أن نقف عند كل ألفاظ (الأمة) الواردة في آي القرآن العظيم، وإنما آثرنا أن نبين مفهوم الأمة عند المفسرين التراثيين من خلال نماذج تواتر الاستشهاد بها عادة في مثل هذه الدراسات ([1])؛ كما آثرنا من جهة أخرى أن نقترب من مختلف التفاسير من حيث أنواعها، فاتخذنا من التفاسير بالمأثور نماذج، كما اتخذنا من التفاسير بالرأي والاجتهاد نماذج أخرى، وحاولنا في الأخير أن نطرق باب التفسير الصوفي لنرى ما مفهوم الأمة عند القوم من أهل التصوف والعرفان.

تصور الأمة عند أهل التفسير بالمأثور

إن المتأمل في مختلف التفاسير بالمأثور، يجد أن تفسير ابن جرير الطبري يأتي على رأس التفاسير التي تحوي في أغلبها على مميزات وخصائص هذا النوع من التفسير، إذ أنه من المعروف لدينا أن التفسير بالمأثور سواء أكان متواتراً أم غير متواتر "يشمل المنقول عن الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، والمنقول عن النبي ( e) والمنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم، والمنقول عن التابعين رحمهم الله، وعلى هذه الأنواع الأربعة يدور التفسير بالمأثور" ([2]). وهذا أحسبه متوافراً في تفسير ابن جرير الطبري ثم يلي هذا المفسر المشهور، ابن كثير، وهو الآخر لا يقل تفسيره أهمية عن سابقه، لذلك آثرنا أن نتخذهما نموذجاً للتفسير بالمأثور.

يقول تعالى ذكره:] ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم [([3]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير