تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[سؤال عن نسبة بعض الأفعال إلى الله تعالى]

ـ[صالح العمري]ــــــــ[19 May 2005, 11:41 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

عند سماع دروس التفسير قد يتساهل بعض الملقين في نسبة الأفعال التي لم ترد في الكتاب والسنة إلى الله تعالى .. ومن أمثلة ذلك (يركزّ - يستطرد- يشنّع - يلفت النظر- يشرح - يعقّب .. وغيرها مما لاحصر له .. )، وبعضهم ينسب الأفعال ‘لى "السياق القرآني" فما هو الضابط في ذلك؟! وليت من يطلعنا على أقوال السلف بهذا الخصوص ..

نسأل الله أن يعظم لكم الأجر ويجزل لكم المثوبة ...

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 May 2005, 06:23 ص]ـ

هذه العبارات التي يعبر بها بعض المفسرين أو الفقهاء أو غيرهم كثيرة، وهي في كلام المتحدثين في دروسهم أكثر منها في مؤلفات المفسرين، لقدرة المؤلف على التصرف واختيار العبارات، بخلاف المتحدث فإنه يضطر في مواقف كثيرة إلى التعبير بعبارة موهمة أو يسبق لسانه أو يعتاد على عبارة قد تكون متضمنةً لأمر غير مشروع أو مشكوك في صحته أو نحو ذلك، وقَلَّ مَن يَسلَمُ مِن ذلك إلا من رحم الله.

ولذلك اعتذر ابن عطية في مقدمة تفسيره، وذكر أنه قد يرد في تفسيره بعض العبارات التي اعتاد المفسرون على تكرارها مثل قولهم: حكى الله عن فلان كذا، ونحو هذه العبارة مما هو قريب من الألفاظ المذكورة في السؤال. وخَرَّجها على أن جوازها يرتبط بالقصد منها، وليس المقصود منها نسبة هذه الصفات لله، وإنما نسبتها للآيات القرآنية. وقد ذكرها بقوله: (بابٌ في الألفاظ التي يقتضي الإيجازُ استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى) فذكر أن الباعث على استخدامها طلب الإبجاز والاختصار من المؤلف.

قال ابن عطية تحت هذا العنوان: (اعلم أَنَّ القصد إلى إِيْجازِ العبارةِ قد يسوقُ المتكلمَ في التفسير إلى أَنْ يقولَ: خاطبَ اللهُ بهذه الآيةِ المؤمنين، وشَرَّفَ اللهُ بالذكرِ الرجلَ المؤمنَ من آل فرعونِ، وحكى اللهُ تعالى عن أُمِّ موسى أَنَّها قالت قُصِّيهِ، ووَقَّفَ اللهُ ذريةَ آدم على ربوبيتهِ بقولهِ: ?ألستُ بربِّكمْ? الأعراف 172، ونحو هذا من إِسنادِ أفعالٍ إلى الله تعالى لم يأتِ إسنادُها بتوقيفٍ من الشَّرعِ.

وقد استعملَ هذه الطريقةَ المفسرونَ والمُحدِّثونَ والفقهاءُ واستعملها أبو المعالي في الإرشادِ، وذكر بعضُ الأصوليينَ أَنَّهُ لا يَجوزُ أَن يُقالَ: حكى اللهُ، ولا مَا جَرى مَجراهُ.

قال القاضي أبو مُحمد عبد الحق: وهذا على تقريرِ هذه الصفةِ لهُ وثبُوتِها مستعملةً كسائرِ أوصافهِ تبارك وتعالى، وأَمَّا إذا استعملَ ذلك في سياق الكلامِ، والمرادُ منه حَكتِ الآيةُ، أو اللفظُ فذلك استعمالٌ عَربيٌّ شائعٌ، وعليهِ مَشى الناسُ)

ولكن ابن عطية هنا لا يرى استخدامه، حيث يقول: (وأَنا أَتَحفَّظُ منهُ في هذا التعليقِ جَهْدِي، لكنيِّ قَدَّمْتُ هذا البابَ لِمَا عَسى أَنْ أَقَعَ فيه نادراً واعتذاراً عمَّا وَقَعَ فيه المُفسِّرونَ من ذلك).

ثم أورد ابن عطية من كلام العرب، نثرها وشعرها ما يمكن تخريج هذا الاستعمال لهذه العبارات عليه، وإن لم تكن هذه الشواهد الشعرية دليلاً قاطعاً في مثل هذه المسائل فقال: (وقد استعملت العربُ أشياءَ في ذكر الله تعالى تُحمَلُ على مَجازِ كلامِها فمن ذلك قول أبي عامر يرتَجزُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم:

فاغفر فداء لك ما اقتفيناوقولِ أُمِّ سلمة: (فعزمَ الله لي) في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.

ومن ذلك قولهم: اللهُ يَدْري كذا وكذا. والدراية إِنَّما هي التأَتِي للعلمِ بالشيء حتى يتيسر ذلك.

قال أبو عليِّ: واحتجَّ بعضُ أهلِ النظر على جواز هذا الإطلاق بقول الشاعرِ:

لاهُمَّ لا أَدْري وأَنْتَ الدَّاريْ

قال أبو علي: وهذا لا ثَبتَ فيه؛ لأَنَّهُ يَجوزُ أن يكون من غَلَطِ الأَعْرابِ.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وكذلكَ أَقُولُ إِنَّ الطريقةَ كُلَّها عربيةٌ لا يَثبتُ للنظرِ المَنخولِ شيءٌ منها. وقد أَنشد بعضُ البغداديين:

لا هُمَّ إِنْ كنتَ الذي بِعَهْدي * ولَمْ تُغَيْركَ الأمورُ بعديوقد قال العجَّاجُ:

فارتاحَ رَبِّي وأَرادَ رَحْمَتِيوقال الآخرُ:

قدْ يُصْبِحُ اللهُ أَمامَ السَّارِيوقال الآخر:

يا فَقْعَسي لِمَ أَكلتَهُ لِمَهْ * لَو خَافَكَ اللهُ عليهِ حَرَّمَهْوقال أوس:

أَبَنِي لُبَيْنَى لا أُحِبُّكُمُ * وجدَ الإِلَهُ بكمْ كما أَجِدُوقال الآخر:

وإِنَّ اللهَ ذاقَ عُقولَ تَيْمٍ * فلمَّا راءَ خِفَّتها قَلاهاومن هذا الاستعمالِ الذي يُبْنَى البابُ عليهِ قولُ سَعدِ بن معاذٍ: (عَرَّقَ اللهُ وجهَكَ في النَّارِ). يقول هذا للرَّامي الذي رماهُ، وقالَ: خُذها وأَنا ابنُ العَرَقة.

وفي هذه الأمثلةِ كِفايَةٌ فيما نَحونَاهُ، إِذ النظيرُ لذلك كثيرٌ موجودٌ، وإِنْ خُرِّجَ شيءٌ من هذه على حذفِ مضافٍ فذلك متوجهٌ في الاستعمال الذي قصدنا الاعتذارَ عنهُ واللهُ المستعانُ). انظر: المحرر الوجيز (طبعة قطر) 1/ 63 - 67

وقال ابن عباد في رسائله الكبرى: (وقد رأيت في مواضع من كتبكم شيئاً أردت أن أنبهكم عليه، وهو أنكم تقولون فيها: حكى الله عن فلان، وحكى عن فلان كذا، وقد يقع مثل هذا في كلام الأئمة، وهذا عندي ليس بصواب من القول؛ لأن كلام الله تعالى صفة من صفاته، وصفاته تعالى قديمة، فإذا سمعنا الله تعالى يقول كلاماً عن موسى عليه السلام مثلاً وعن فرعون، أو أمة من الأمم، فلا يقال: حكى عنهم كذا؛ لأن الحكاية تؤذن بتأخرها عن المَحكي، وإنما يقال في مثل هذا: أخبر الله تعالى، أو أنبأ، أو كلام معناه هذا مما لا يفهم من مقتضاه تقدم ولا تأخر). انظر: حاشية محقق المحرر الوجيز (طبعة قطر) 1/ 63

وهذه مسألة جديرة بالنقاش والبحث، وإنما أردت فتح باب البحث، لا الجواب عن السؤال والله الموفق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير