[الخنس الجوار الكنس]
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[04 Oct 2005, 05:29 م]ـ
(لفضيلة العلامة د. زغلول النجار)
[الخنس الجوار الكنس]
" فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس "
والمدلول اللغوي لهاتين الآيتين الكريمتين: أقسم قسما مؤكدا بالخنس الجوار الكنس , والسؤال الذي يتبادر إلي الذهن هو: ماهي هذه الخنس الجوار الكنس التي أقسم بها ربنا (تبارك وتعالي) هذا القسم المؤكد , وهو (تعالي) غني عن القسم؟
وقبل الاجابة علي هذا التساؤل لابد لنا:
أولا: من التأكيد علي حقيقة قرآنية مهمة مؤداها أن الآية أو الآيات القرآنية التي تتنزل بصيغة القسم تأتي بمثل هذه الصياغة المؤكدة من قبيل تنبيهنا إلي عظمة الأمر المقسوم به , وإلي أهميته في انتظام حركة الكون , أو في استقامة حركة الحياة أو فيهما معا , وذلك لأن الله (تعالي) غني عن القسم لعباده.
ثانيا: أن القسم في القرآن الكريم بعدد من الأمور المتتابعة لا يستلزم بالضرورة ترابطها , كما هو وارد في سورة التكوير , وفي العديد غيرها من سور القرآن الكريم من مثل سور الذاريات , الطور , القيامة , الانشقاق , البروج , الفجر , البلد , الشمس , والعاديات , ومن هنا كانت ضرورة التنبيه علي عدم لزوم الربط بين القسم الأول في سورة التكوير:
فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس
والقسم الذي يليه في الآيتين التاليتين مباشرة حيث يقول الحق (تبارك وتعالي):
والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس
(التكوير:18,17)
وهو ما فعله غالبية المفسرين للأسف الشديد , فانصرفوا عن الفهم الصحيح لمدلول هاتين الآيتين الكريمتين.
ثالثا: تشهد الأمور الكونية المقسوم بها في القرآن الكريم للخالق (سبحانه وتعالي) بطلاقة القدرة , وكمال الصنعة , وتمام الحكمة , وشمول العلم , ومن هنا فلابد لنا من إعادة النظر في مدلولاتها كلما اتسعت دائرة المعرفة الانسانية بالكون ومكوناته , وبالسنن الإلهية الحاكمة له حتي يتحقق وصف المصطفي (صلي الله عليه وسلم) للقرآن الكريم بأنه: لا تنتهي عجائبه , ولا يخلق علي كثرة الرد , وحتي يتحقق لنا جانب من أبرز جوانب الإعجاز في كتاب الله وهو ورود الآية أو الآيات في كلمات محدودة يري فيها أهل كل عصر معني معينا , وتظل هذه المعاني تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد , وليس هذا لغير كلام الله.
رابعا: بعد القسم بكل من الخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس يأتي جواب القسم:
إنه لقول رسول كريم (التكوير:19)
ومعني جواب القسم أن هذا القرآن الكريم ـ ومنه الآيات الواردة في مطلع سورة التكوير واصفة لأهوال القيامة , وما سوف يصاحبها من الأحداث والانقلابات الكونية التي تفضي إلي إفناء الخلق , وتدمير الكون , ثم إعادة الخلق من جديد ـ هو كلام الله الخالق الموحي به إلي خاتم الأنبياء والمرسلين (صلي الله عليه وسلم) بواسطة ملك من ملائكة السماء المقربين , عزيز علي الله (تعالي) , وهذا الملك المبلغ عن الله الخالق هو جبريل الأمين (عليه السلام) , ونسبة القول إليه هو باعتبار قيامه بالتبليغ إلي خاتم الأنبياء والمرسلين (صلي الله عليه وسلم).
خامسا: إن هذا القسم القرآني العظيم جاء في سياق التأكيد علي حقيقة الوحي الإلهي الخاتم الذي نزل إلي خاتم الأنبياء والمرسلين (صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين) , والذي جاء للناس كافة لينقلهم من ظلمات الكفر والشرك والضلال إلي نور التوحيد الخالص لله الخالق بغير شريك ولا شبيه ولا منازع , ومن فوضي وحشية الإنسان إلي ضوابط الايمان وارتقائها بكل ملكات الإنسان إلي مقام التكريم الذي كرمه به الله , ومن جور الأديان إلي عدل الرحمن , كما جاء هذا القسم المؤكد بشيء من صفات الملك الذي حمل هذا الوحي إلي خاتم الأنبياء والمرسلين (صلي الله عليه وسلم) , وعلي شيء من صفات هذا النبي الخاتم الذي تلقي الوحي من ربه , وحمله بأمانة إلي قومه , رغم معاندتهم له , وتشككهم فيه , وادعائهم الكاذب عليه (صلي الله عليه وسلم) تارة بالجنون (وهو المشهود له منهم برجاحة العقل وعظيم الخلق) , وأخري بأن شيطانا يتنزل عليه بما يقول (وهو المعروف بينهم بالصادق الأمين) , وذلك انطلاقا من خيالهم المريض الذي
¥