[التحقيق في مسألة مراتب التفخيم]
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[06 Jun 2005, 11:34 ص]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
هناك مسألة مهمّة خفِيَت أهمّيتها على كثير من أهل الأداء، ألا وهي مسألة مراتب التفخيم وهذه الأهمّية تكمل في أنّ المسألة اجتهادية حيث اختلف فيها العلماء إلى مذاهب وللأسف أنّ هذا الخلاف ترتّب عليه تغييرٌ في الصوت وليس مجرّد خلاف لفظي كما يتوقّعه البعض، ومن هنا تظهر خطورة الموضوع، لأنّ الاجتهاد في المسائل الخلافية لفظاً لا يضرّ ولكنّ الاجتهاد في المسائل الخلافية التي يترتّب عليها تغييرٌ في الصوت مذموم لقول الإمام الشاطبي رحمه الله:
وما لقياسٍ في القراءة مدخل…… .. فدونك ما فيه الرضا متكفّلا
ولا شكّ أنّ القياس هو عبارة عن اجتهاد وقد ذكر بن الجزري في النشر أنّ القياس لا يكون إلاّ في المسائل التي فيها غموض ولم يرد فيها نصّ. فكيف إذا خالف النصوص أو خالف ما تلقّاه الناس عن مشايخهم بالسند فيكون المنع من باب أولى.
لذلك يختلف الصوت مثلاً في القاف في كلمة {اقترب}. فعلى مذهب من جعل الساكن قبل الكسر في مرتبة المكسور تكون أقلّ تفخيماً من المذهب الذي يرى أنّ للساكن مرتبة مستقلّة لا يتبع الحرف الذي قبله. فنشأ الخلاف في الصوت جرّاء مسألة اجتهادية تحتمل الخطأ والصواب. فالأصل هو الاتباع والتلقي من المشايخ ثمّ تُقعّد القواعد وفق التلقّي كما كان يفعل القدامى. ولكن في هذه المسألة وقع العكس وهو الاجتهاد أوّلاً ثمّ التلقّي يتبع الاجتهاد فختلف الصوت القرءاني على نحو اختلاف عدد المذاهب الاجتهادية وهذا السبب الذي أدّى إلى الخلاف الواقع في هذه المسألة وفي غيرها في الوقت الحالي.
1 - مذاهب العلماء في مراتب التفخيم:
1 - المذهب الأوّل: ثلاثة مراتب: المفتوح ثمّ المضموم ثمّ المكسور. والساكن يتبع ما قبله فإن كان بعد فتح فمرتبته مع المفتوح وإن كان بعد ضمّ فمرتبته مع المضموم وإن كان بعد كسر فمرتبته مع المكسور. وهو مذهب المتولّي حيث قال:
ثُمَّ المفخّماتُ عنهم آتِيَهْ ....... على مراتبٍ ثلاثٍ وَهِيَهْ
مفتوحُهَا، مضمومُها مكسورُها ....... وتابِعٌ ما قَبْلَهُ ساكِنُهَا
فَمَا أتَى من قَبْلِهِ من حَرَكَهْ ........ فافرِضْهُ مُشْكَلاً بتلك الحركهْ
- المذهب الثاني: خمسة مراتب وهي: المفتوح الذي بعده ألف نحو {طال} ثمّ الفتوح الذي ليس بعده ألف ثمّ المضموم ثمّ المكسور أمّا الساكن فحكمه مثل المذهب الأوّل أي تابع لما قبله. وهذا فيه نظر لأنّه إن كان تابع لما قبله فلا يكون مرتبة مستقلّة فيكون عدد المراتب أربعة كالمذهب الأوّل مع زيادة المفتوح الذي بعده ألف. وهو مذهب أخذ به الكثير من المعاصرين كالعلامة المرصفي في هداية القارئ والشيخ عبد الرازق إبراهيم موسى في الفوائد التجويدية وغيرهم. وهو مذهب العلامة إبراهيم شحاته السمنودي حيث قال:
أعلاهُ فيه كطائفٌ فصَلّى .... فَقُرْبَةٌ فَلاَ تُزِغْ فظِلاَّ
والمتولّي في السكونِ فَصَّلاَ .... فمثلُ مفتوحٍ ومضمومٍ تَلاَ
ثمّ سكوناً بعدَ كَسْرٍ جَعَلاَ ..................................
- المذهب الثالث: خمسة مراتب كالمذهب الثاني إلاّ أنّ الساكن يكون في مرتبة مستقلّة لا يتبع ما قلبه وهي المرتبة الرابعة مابين المضموم والمكسور وهذا المذهب هو المأخوذ به عند مشايخ الشام وهو مذهب محمود بن سبويه البدوي في كتابه الوجيز والدكتور يحي الغوثاني في كتابه علم التجويد وإليه أشار العلامة المتولّي:
وقيل بل مفتوحها مع الألفْ ....... وبعدهُ المفتوحُ من دون الألِفْ
مضمومها، ساكِنُهاَ مكسورُها ....... فهذهِ خَمْسٌ أتاكَ ذِكْرُهَا
وهو مذهب ابن الجزري على مانقله ملا القارئ والمرعشي. فقال صاحب المنح الفكرية: " وعند المصنّف خمسة ما كان بعده ألف ثمّ ماكان مفتوحاً من غير ألف بعدها ..... ثمّ ما كان مضموماً ثمّ ماكان ساكناً ثمّ ما كان مكسوراً (المنح الفكرية ص33). ونقل هذا الكلام المرعشي في جهد المقلّ ص 155). ولم يقيّد الساكن بكونه تابع لما قبله وهذا يدّل أنّ ابن الجزري يرى أنّ الساكن يكون في مرتبة مستقلّة لا يتبع ما قبله حيث لم يقيّد الساكن باتّباع ما قبله.
¥