[أسلوب " التغليب " في القرآن الكريم]
ـ[الباحث7]ــــــــ[13 Jul 2005, 06:00 ص]ـ
إن ألفاظ العموم تشمل جميع الأفراد المندرجة تحت جنسها، إلا أن العرب في حالات معينة استعملوا ألفاظ عموم لتشمل أفراداً أخرى لعلاقة بينهما بينوها في لغتهم وهذا ما يسمى (التغليب).
وباستقراء استعمالات العرب للتغليب في لغتهم يتبين أن هذا يتم في الحالات التالية:
========================================
1. تغليب اللفظ المذكر ليشمل المؤنث أي عموم لفظ الرجال ليدخل فيه النساء، فإذا خوطب الرجال والنساء بفعل لهما خوطبوا بلفظ المذكر كقوله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} [آل عمران] فهي تشمل كذلك أولات الألباب. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} [البقرة/278] فهي تشمل كذلك اللائي آمنّ:
أ. فإذا كان الخطاب بفعل خاص بالرجال بقرينة فعندئذٍ لا تغليب كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [الجمعة/9].
فالخطاب هنا {الذين آمنوا}، {فاسعوا إلى ذكر الله} لا تغليب فيه لأنّ صلاة الجمعة فرض على الرجال فقط فتصرف {الذين} كما هي للرجال و {فاسعوا} كذلك كما هي للرجال.
ب. وإن كان المقصود من الخطاب التنصيص على إبراز تعلق الحكم بالمرأة بنفس درجة تعلقه بالرجل لإزالة الالتباس فلا تغليب، ويفرد لكل منهما خطاب كاللاتي سألن الرسول r عن تغليب خطاب الأحكام للرجال فلعلهنّ أقل أهمية فنزلت بعض آيات بالتنصيص عليهن لإزالة هذا الالتباس وإبراز دورهنّ، كقوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} [آل عمران] وقوله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} [الأحزاب/35] الآية وكقوله تعالى: {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً} [الحديد/18] الآية ... هذا التنصيص على إبراز تعلق الحكم بالمرأة بنفس درجة تعلقه بالرجل من حيث المدح.
وقد يكون لإبراز تعلق الحكم من حيث الذمّ كقوله تعالى: {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم} [التوبة/68] وقوله: {ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} [الفتح/6].
2. تغليب خطاب العاقل على غير العاقل إذا خوطب العقلاء وغير العقلاء كقوله تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} [الإسراء/67] فهم كانوا يدعون أصناما آلهة وغير أصنام عقلاء وغير عقلاء، فتمّ تغليب خطاب العاقل {من} لإبراز أن ما يزعمونهم آلهة يعبدونهم لن ينفعوهم في ذلك الموقف ولن يستجيبوا لهم حتى لو كانوا عقلاء، فكيف تنفعهم أو تستجيب لهم الأصنام الجامدة التي يعبدونها؟ وذلك للتأكيد على أن الله وحده هو الإله الخالق الذي لا شريك له والذي يستجيب دعوة الداعي إذا دعاه وأن غيره مخلوق له سبحانه. وكقوله تعالى: {وربك أعلم بمن في السموات والأرض} [الإسراء/55] في السموات والأرض العاقل وغير العاقل واستعمل خطاب العاقل {من} التي هي للعاقل:
أ. فإذا كان وجود العاقل مع غير العقلاء غير مؤثر في الحكم أي كان كأنه غير موجود معهم فلا تغليب للعاقل بل الخطاب لغير العقلاء، قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء/98] وهم كانوا يعبدون الأصنام وكذلك يعبد بعضهم عيسى بن مريم - عليهما السلام - ولكنهم كانوا يعبدون عيسى بن مريم دون رضاه ودون استطاعة منعهم من ذلك، فسلط الخطاب على غير العقلاء باستعمال {ما} ولذلك فإن (الزِّبَعرى) لما احتج على رسول الله أن هذا يشمل عيسى كذلك فكيف يكون في النار نزلت الآية باستثنائه: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء] مما يعني أن {ما} في الآية الأولى وهي لغير العاقل في اللغة استعملت من باب التغليب لتشمل عيسى - عليه السلام - وهو من العقلاء، ولهذا أصبح تخصيص عموم {ما} في الآية الأولى، وهذا هو المعنى الراجح لاستعمال {ما} في الآية المذكورة. وأما القول بأن {ما} لغير العاقل هنا دون تغليب فهو قول مرجوح لعدم الحاجة في هذه الحالة لاستثناء عيسى - عليه السلام - في الآية الثانية.
¥