تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ورد في القرآن الكريم تسع وعشرون سورة ا فتُتِحَت بحروف هجائية تُقرأ مقطعةً بأسمائها هكذا: ألف – لام – ميم .. و كان منها ما افتتح بحرف واحد مثل: ص – ق – ن.

و منها ما افتتح بحرفين مثل: طه – يس.

و منها ما افتتح بثلاثة أحرف مثل: ألم.

و منها ما افتتح بأكثر من ذلك مثل: كهيعص.

و ليس لهذه الحروف في اللغة العربية سوى مسمياتها التي ينطق بها في الكلمات المركبة. و لم يرد من طريق صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -بيان للمراد منها , و لذلك اختلف أهل العلم فيها اختلافاً كثيراً , و هذه الأراء على كثرتها و تنوعها ترجع إلى رأيين اثنين:

أولاً: أنها جميعاً مما استأثر الله به و لا يعلم معناه أحد سواه و هذا رأي كثيرمن سلف هذه الأمة.

ثانياً: أن لها معنى , و ذهبوا في معناها مذاهب شتى نُثِرت في كتب التفسير و لعل أقرب هذه الآراء إليَّ هي: أن هذه الأحرف ما هي إلا زيادة في التحدي بالقرآن , بمعنى أن هذه الأحرف ليست مادة غريبة عليكم و لا مجهولة لكم , و رغم هذا فأنتم لا يمكن أن تأتوا بمثلها مما يدل على أن هذا القرآن ليس من صنع البشر إنما هو من عند الله تعالى , قال عز و جل: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23)

و قال أيضاً: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88).

و يقال عزو جل: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود:13)

(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء:192 - 193 - 194)

و يدل قو له تعالى: (نزل به الروح الأمين).

دلالة قطعية على عدة أمور عدة منها:

1 - أن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى و نزل به الروح الأمين و هو جبريل عليه السلام فأوحاه للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.

2 - أن هذا القرآن هو من عند الله عز و جل و ليس فيض من نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غير ذلك مما تقول طوائف من الفلاسفة و الملحدين و أمثالهم.

و قد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء عن بعض معاني الآيات مثل (حم - ألم – ألمص – حم – عسق) (الفتوى رقم 6395) فأجابت بما يلي:

فيه آراء للعلماء , و الراجح أنها ذكرت هذه الحروف – و الله أعلم – في أول السور التي ذكرت فيها , بياناً لإعجاز القرآن , و أن الخلق عاجزون عن معارضة بمثله , هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها , و هذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله و ارتضاه أبو الحجاج المزي رحمه الله.

و اعلم أخي الفاضل: أننا نبين الحق كما هو فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والله الهادي إلى سواء السبيل.

قال تعالى في محكم التنزيل: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29).

فنحن يا أخي لا نملك إلا هداية الدلالة لمن في قلبه نور، فنبين له الحق فيهديه الله , و أنت بِّين لهذا السائل الحق كما هو و اسأل الله له الهداية و لا تحزن إن لم يؤمن , فإن آمن فلله الحمد و المنة على هدايته و لك الأجر و الثواب لقاء هذا العمل الجليل , و إن لم يؤمن فا الله جعلك حجة عليه في الموقف العظيم.

و أختم مقالتي هذه بكلام نقلته من كتا ب الفوائد المشوِّق إلى علوم القرآن وعلم البيان لابن قيم الجوزية رحمه الله , حيث قال: (روي أن يهودياً في مجلس المتوكل فأحسن الكلام , و ناظر فعلم أنه من حملة الإعلام و ناضل فتحققوا أنه مسدد السهام فدعاه المتوكل إلى الإسلام فأبى و أقام بفرط الإ باء على مذهب الآباء بعد أ ن بذل له المتوكل ضروباً من الأنعام و صنوفاً من الرفعة والاكرام و راجعه في ذلك مرة بعد أخرى فلم يزده ذ لك إلا طغياناً و كفراً فغاب عنه مدة ثم دخل إلى مجلسه و هو يعلن الإ سلام و يدين دينه فقال له المتوكل: أسلمت؟ قال: نعم. قال: ما سبب إسلامك؟ فقال: لما قطعت من عنقي قلادة التقليد و صرتُ من رتبة الاجتهاد إلى مرتقى ما عليه مزيد نظرت في الأديان و طلبت الحق حيث كان فأخذت التوراة فنظرت فيها و تدبرت معانيها و كتبتها بخطي و زدت فيها و نقصت و دخلت بها السوق و بعتها فلم ينكر أحد من اليهود شيئاً , و أخذت الانجيل و زد ت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئاً , و زدت فيه و نقصت و دخلت به السوق و بعته فلم ينكر أحد من النصارى منه شيئاً , و أخذت القرآن و قرأته و تأملته فإذا: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فكتبت و زدت فيه و نقصت و دخلت السوق و بعته فنظر فيه المسلمون فعرفوا المواضع التي زدت فيها و نقصت , و ردوا كل كلمة إلى موضعها و كل حرف إلى مكانه , فعلمت أنه الحق لتحقيق وصفه بأنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فآمنت به و صدَّ قت ما جاء به.

و الله الهادي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير