تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه هي بعض أقوال المجيزين للتفسير العلمي، أما المانعون له فنذكر منهم الشاطبي، ثم نذكر رد ابن عاشور عليه.

يقول الشاطبي: "إن كثيرًا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ماتقدم لم يصح. وإلى هذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه وما أودع فيه ( ... ). وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا، نعم تضمن علومًا هي من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودها ( ... ). وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى:] ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء [النحل 89، وقوله:] ما فرطنا في الكتاب من شيء [الأنعام 38، ونحو ذلك. فأما الآيات فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، والمراد بالكتاب في قوله:] ما فرطنا في الكتاب من شيء [: اللوح المحفوظ، ولم يُذكر فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية ( ... ). فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، كما أنه لا يصلح أن ينكَر منه ما يقتضيه. ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة ( ... ). فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضلَّ عن فهمه، وتقوَّل على الله ورسوله فيه ( ... ). فلا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ( ... ). فالتعمق في البحث فيها، وتطلّب ما لا يشترك الجمهور في فهمه خروج عن مقتضى الشريعة الأمية، فإنه ربما جمحت النفس إلى طلب ما لا يطلب منها، فوقعت في ظلمة لا انفكاك لها منها ( ... )، لأن ذلك لم يكن من معهود العرب ولا من علومهم ( ... ). فلا يصح الخروج عما حدَّ في الشريعة، ولا تطلُّب ما وراء هذه الغاية، فإنها مظنَّة الضلال ومزلَّة الأقدام " (الموافقات 2/ 55 - 63).

هذا هو كلام الشاطبي، أما ابن عاشور فلا يرى رأيه، بل يرى أن المفسر لا يلام إذا أتى بشيء من تفاريع العلوم، مما له خدمة للمقاصد القرآنية، على وجه التوفيق بين المعنى القرآني والمسائل الصحيحة من العلم، بشرط أن يسلك في ذلك مسلك الإيجاز وعدم الاستطراد. كما يرى ابن عاشور أن كلام الشاطبي: "مبني على ما أسسه من كون القرآن لما كان خطابًا للأميين، وهم العرب، فإنما يُعتمد في مسلك فهمه وإفهامه على مقدرتهم وطاقتهم، وأن الشريعة أمية، وهو أساس واهٍ ( ... )، لأن القرآن لا تنقضي عجائبه، يعنون: معانيه ( ... )، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه" (تفسير ابن عاشور 1/ 42 - 45). وبهذا ميز ابن عاشور بين الشريعة و بين الرسول صلى الله عليه وسلم والعرب وقت نزول القرآن، فقبل أمية الأميين ورفض أمية الشريعة. كما ذهب إلى أن أمية العرب في ذلك الوقت لا تعني أنهم مستمرون على أميتهم في كل وقت.

يرى أنصار التفسير العلمي أن له مزايا، منها:

- تجنب تقييد الحريات الفكرية والعلمية، واتقاء الحجر على العقول؛

- حث المسلمين على حب الاستطلاع والتأمل والبحث والنظر والاجتهاد وعلو الهمة والتفوق العلمي، ومتابعة العلوم والأفكار والمعارف، ومحاولة ضبطها وربطها بالقرآن، واسترشاد المسلمين به في بحوثهم. وبهذا يصبحون أكثر تحفزًا وتشوقًا إلى طلب العلم والتفوق فيه ومزاحمة علماء الأمم الأخرى المتقدمة؛

- تلافي الفكر الخامد، والفهم الجامد، والنظر الضيق الذي يقف بمعاني القرآن عند معهود أمة لا تقرأ ولا تكتب ولا تحسب، عند معهود العرب الأميين القدامى، ومخاطبة الناس في كل عصر على قدر عقولهم وعلومهم، ومواكبة التطور العلمي والفكري، وتقدم أدوات الرصد والملاحظة والتجربة والتحليل. قال القرافي: "الجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين" (الفروق 1/ 177)، حتى لقد كثر الحفاظ، وقلّ المفكرون، ونضبت القرائح (تفسير طنطاوي جوهري 2/ 203)؛

- دعم حركة التفسير وعلومه، والتعرف على وجوه جديدة للإعجاز، فالقرآن متجدد الإعجاز، لا تنقضي عجائبه، ولا ينضب معينه، ولا يبلى على كثرة الرد (الترداد)؛

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير