ـ وكذلك قوله في تفسير (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها):"الحسّي والمعنوي؛ فالخراب الحسّي: هدمُها وتخريبُها وتقذيرُها، والخراب المعنوي: منعُ الذاكرين لاسم الله فيها! " [ص 63].
ـ وكذلك قوله في تفسير: (قولوا آمنّا بالله):"وفي قوله: (قولوا) إشارةٌ للإعلان بالعقيدة, والصدع بها، والدعوة لها؛ إذ هي أصل الدين وأساسه. وفي قوله: (آمنَّا) ونحوه مما فيه صدور الفعل منسوباً إلى جميع الأمة إشارةٌ إلى أنه يجب على الأمة الاعتصام بحبل الله جميعاً والحث على الائتلاف؛ حتى يكون داعيهم واحداً, وعملهم متحداً" [ص 67].
الثامنَ عشر: أنّ الشيخ السعدي قد أبان ملَكةً عظيمةً من دقة الاستنباط وروعة الاحتجاج؛ بما يذكِّر طالبَ العلم بتفنُّن البخاري في تراجم جامعه الصحيح:
ـ فقد قال - رحمه الله -في قول الله - تعالى -: (فإن طلّقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنّا أن يُقيما حدود الله):"في هذا دلالةٌ على أنّه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يدخل في أمرٍ من الأمور خصوصاً الولايات الصغار والكبار؛ أن ينظر في نفسه؛ فإن رأى من نفسه قوّةً على ذلك، ووثق بها؛ أقدم، وإلا أحجم" [ص 103].
ـ واستنبط - رحمه الله -من قول الله - تعالى -: (قولوا آمنَّا) أنّ في ذلك"إشارة للإعلان بالعقيدة, والصدع بها، والدعوة لها؛ إذ هي أصل الدين وأساسه"، و"إشارة إلى أنه يجب على الأمة الاعتصام بحبل الله جميعاً والحث على الائتلاف؛ حتى يكون داعيهم واحداً, وعملهم متحداً, وفي ضمنه النهي عن الافتراق, وفيه أنّ المؤمنين كالجسد الواحد" [ص 67].
ـ ولك أنْ تتأمّل شفوف نظره؛ حيث قال في تفسير (فاستبقوا الخيرات) [البقرة: 148]:"يُستدَل بهذه الآية الشريفة على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل: كالصلاة في أول وقتها, والمبادرة إلى إبراء الذمة من الصيام والحج, والعمرة, وإخراج الزكاة, والإتيان بسنن العبادات وآدابها, فلله ما أجمعها وأنفعها من آية! " [ص 73].
التاسعَ عشر: أنّ الشيخ قد استفرغ الوُسْعَ في عُمْق التدبُّر للآيات، وشدّة العناية بالفوائد والعِظات:
ـ كيف وقد استنبط من آية الدَّيْن [البقرة: 282] خمسين فائدةً ثم قال مُعْتذراً:"فهذه الأحكام مما يُسْتنبَط من هذه الآية الكريمة على حَسَب الحال الحاضرة والفهم القاصر؛ ولله في كلامه حِكَمٌ وأسرارٌ يخصّ بها من يشاء من عباده" [ص 119].
ـ ولَكَ أن تتأمّل هذه العِبَر التربوية والسياسية والاجتماعية النفيسة التي استنبطها من قصة داود وجالوت في سورة البقرة:"
أولاً: أنّ اجتماع أهل الكلمة والحلّ والعقد، وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به أمورهم وفهمه، ثم العمل به؛ أكبر سببٍ لارتقائهم وحصول مقصودهم.
ثانياً: أنّ الحقَّ كلما عُورِض وأُورِدَتْ عليه الشُّبَه ازداد وُضوحاً؛ وتميّز، وحصل به اليقين التام.
ثالثاً: أنّ العلم والرّأي مع القوّة المنفِّذة بهما كمال الولايات؛ وبفقدهما ـ أو بفقد أحدهما ـ نُقْصانها وضررها.
رابعاً: أنّ الاتّكال على النفس سببٌ للفشل والخذلان، والاستعانة بالله والصّبر والالتجاء إليه سبب النصر.
خامساً: أنّ من حكمة الله - تعالى - تمييز الخبيث من الطّيِّب، والصادق من الكاذب، والصابر من الجبان.
سادساً: أنه - تعالى - لم يكن ليذر العباد على ما هم عليه من الاختلاط وعدم التمييز.
سابعاً: أنّ من رحمته - تعالى - وسننه الجارية أن يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين.
ثامناً: أنه لولا ذلك لفسدت الأرض؛ باستيلاء الكفر وشعائره عليها" [ص 109].
العشرين: أنّ الشيخ السعديَّ - رحمه الله - قد اعتنى بأصول الفقه:
ـ فقد ذكر الشيخ أنّ (المحرَّم نوعان) [ص 80]، وأنّ (النهي للتحريم) [ص 49].
ـ وأنّه (إذا ارتفع الجناح؛ رجع الأمر إلى ما كان عليه) [ص 82]، وقد نصّ على (الإباحة) [ص 80]، وأنّ (الضرورات تبيح المحظورات) [ص 82]، وأنّ (الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة) [ص 48]، وأنه (إذا أُبيح كلا الأمرين؛ فالتأخّر أفضل لأنه أكثر عبادةً) [ص 93].
ـ وأنّ (حكم الحاكم لا يبيح محرَّماً ولا يحرّم حلالاً) [ص 88]، و (النهي عن الجائز إذا كان وسيلةً إلى محرَّم) [ص 61، 104،108]، وأن ّ (إخبار التقرير يدلّ على الجواز) [ص 118].
ـ وأنّ (الأمر بالشيء نهيٌ عن ضدّه) [ص 57، 71].
¥