تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيقول: محمّدٌ وأُمّته؛ فيشهدون أنه قد بلّغ، ويكون الرسول عليكم شهيداً؛ فذلك قوله جل ذكره (وكذلك جعلناكم أُمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً).

ـ وكذلك قوله في تفسير (فلنُولّينّك قبلةً ترضاها) [البقرة: 144]:"أي: تحبّها وهي الكعبة, وفي هذا بيانٌ لفضله وشرفه - صلى الله عليه وسلم -, حيث إنّ الله - تعالى - يسارع في رضاه" [ص 71]؛ فإنّ هذه العبارة مُسْتوحاةٌ من قول أمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنه -لما نزل (تُرْجي من تشاء منهن وتُؤوي إليك من تشاء) [الأحزاب: 51]:"ما أرى ربَّك إلا يُسارع في هواك"كما في الصحيحين.

الثامن والعشرين: أنّ الشيخ السعديَّ يلهج ـ كثيراً ـ في تفسيره بحمد الله وشكره على عظيم نعمائه؛ وهذا ـ لعمري ـ مما يزيد الأعمال بركةً وصلاحاً وفلاحاً؛ وما هذا التفسيرُ البديعُ إلا ثمرةً من ثمرات قول الله - تعالى -: (لئنْ شكرتم لأزيدنّكم):

ـ فمن أمثلة ذلك ما قاله السعديّ في تفسير (ومما رزقناهم يُنفقون) [البقرة: 3]:"في قوله: (رزقناهم) إشارةٌ إلى أنّ هذه الأموال التي بين أيديكم, ليست حاصلة بقوتكم ومِلْككم, وإنما هي رزق الله الذي خوَّلكم, وأنعم به عليكم, فكما أنعم عليكم وفضّلكم على كثير من عباده؛ فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم, وواسُوا إخوانكم المُعدَمِين" [ص 41].

ـ وما قاله في تفسير (ولأتمّ نعمتي عليكم) [البقرة: 150]:"قد أعطاه الله من الأحوال والنعم, وأعطى أمته, ما أتم به نعمته عليه وعليهم, وأنزل الله عليه: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي, ورضيتُ لكم الإسلام ديناً)؛ فللّه الحمدُ على فضله, الذي لا نبلغ له عَداً, فضلاً عن القيام بشكره" [ص 74].

ـ وكذلك في تفسير (ولعلكم تهدون) [البقرة: 150]:"أي: تعلمون الحق, وتعملون به؛ فالله تبارك و- تعالى - ـ من رحمته بالعباد ـ قد يسّر لهم أسبابَ الهداية غايةَ التيسير, ونبّههم على سلوك طُرُقها, وبيّنها لهم أتمَّ تبيين؛ حتى إنّ من جملة ذلك أنه يقيّض الحق للمعاندين له فيجادلون فيه, فيتضح بذلك الحق, وتظهر آياته وأعلامه ... ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحاً ظاهراً؛ فلله الحمد على ذلك" [ص 74].

ـ وقوله في تفسير (فاذكروني أذكركم واشكروا لي) [البقرة: 152]:"أي: على ما أنعمتُ عليكم بهذه النعم, وصرفتُ عنكم صنوف النقم. والشكر يكون بالقلب: إقراراً بالنعم واعترافاً, وباللّسان: ذكراً وثناءً, وبالجوارح: طاعةً لله وانقياداً لأمره واجتناباً لنهيه؛ فالشكر فيه بقاءُ النعمة الموجودة، وزيادةٌ في النِّعَم المفقودة، قال - تعالى -: (لئن شكرتم لأزيدنّكم). وفي الإتيان بالأمر بالشكر، بعد النعم الدينية: من العلم، وتزكية الأخلاق، والتوفيق للأعمال، بيان أنها أكبر النعم، بل هي النِّعَم الحقيقيةُ التي تدوم إذا زال غيرها؛ وأنه ينبغي لمن وُفِّقوا لعلمٍ أو عملٍ أن يشكروا الله على ذلك؛ ليزيدهم من فضله، وليندفع عنهم الإعجاب؛ فيشتغلوا بالشكر! " [ص 74].

ـ وكذلك قوله في تفسير (إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار) [البقرة 164]:"أليس من القبيح بالعباد أن يتمتّعوا برزقه, ويعيشوا ببرّه, وهم يستعينون بذلك على مساخطه ومعاصيه؟! أليس ذلك دليلاً على حِلْمِهِ وصَبرِه وعفوِه وصَفحِه وعَميمِ لُطفِه؟! فله الحمد أولاً وآخراً, وظاهراً وباطناً." [ص 79].

التاسع والعشرين: أنّ الشيخ السعديَّ - رحمه الله -قد اعتنى بمفهوم الآيات، دون اقتصار على منطوقها؛ وفي هذا إثراءٌ لفقه دلالات القرآن:

ـ فمن ذلك قوله في تفسير (ويُحبّون أن يُحْمَدوا بما لم يفعلوا) [آل عمران 188]:"دلّت الآية بمفهومها على أنّ من أحبّ أن يُحمد ويُثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق؛ إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة: أنه غير مذمومٍ؛ بل هو من الأمور المطلوبة التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواصّ خلقه، وسألوها منه: كما قال إبراهيم - عليه السلام -: (واجعلْ لي لسانَ صدقٍ في الآخرين)، وقال: (سلامٌ على نوحٍ في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين)، وقد قال عباد الرحمن: (واجعلنا للمتقين إماماً)؛ وهي من نعم الباري على عبده، ومِنَنِهِ التي تحتاج إلى الشكر" [ص 161].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير