تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المنصف والظاهر أن هذا الوجه أحسن من كل ما قيل في هذه المسألة.

وأيضاً سمعت أن الفردوسي الشاعر لمّاصنف كتابة المسمى " بشاهنامه " على اسم السلطان محمود بن سبكتكين ولم يقض حقه كما يجب، وما راعاه كما يليق بذلك الكتاب، ضاق قلب الفردوسي، فرأي في المنام " رستم " فقال له: قد مدحتني في هذا الكتاب، كثيراً وأنا في زمرة الأموات فلا أقدر على قضاء حقك، ولكن إذهب إلى الموضع الفلاني واحفره فإنك تجد فيه دفيناً فخذه. فكان الفردوسي يقول: أن رستم بعد موته أكثر كرماً من محمود حال حياته.

وقال أيضاً في الفصل الثامن عشر من تلك المقالة – والفصل الثامن عشر في بيان كيفية الإنتفاع بزيارة الموتى والقبور -: " ثم قال سألني بعض أكابر الملوك عن المسألة، وهو الملك محمد بن سالم بن الحسين الغوري – وكان رجلاً حسن السيرة مرضي الطريقة، شديد الميل إلى العلماء، قوي الرغبة في مجالسة أهل الدين والعقل – فكتبت فيها رسالة وأنا أذكر هنا ملخص ذلك فأقول للكلام فيه مقدمات. المقدمة الأولى: أنّا قد دللنا على أن النفوس البشرية باقية بعد موت الأبدان، وتلك النفوس التي فارقت أبدانها أقوى من هذه النفوس المتعلقة بالأبدان من بعض الوجوه. أما أن النفوس المفارقة أقوى من هذه النفوس من بعض الوجوه، فهو أن تلك النفوس لما فارقت أبدانها فقد زال الغطاء، وانكشف لها عالم الغيب، وأسرار منازل الأخرة، وصارت العلوم التي كانت برهانية عند التعلق بالأبدان ضرورية بعد مفارقة الأبدان، لأن النفوس في الأبدان كانت في عناء وغطاء، ولمّا زال البدن أشرفت تلك النفوس وتجلت وتلألأت، فحصل للنفوس المفارقة عن الأبدان بهذا الطريق نوع من الكمال. وأما أن النفوس المتعلقة بالأبدان أقوى من تلك النفوس المفارقة من وجه أخر فلأن آلات الكسب والطلب باقية لهذه النفوس بواسطة الأفكار المتلاحقة، والأنظار المتتالية تستفيد كل يوم علماً جديداً، وهذه الحالة غير حاصلة للنفوس المفارقة.

والمقدمة الثانية أن تعلق النفوس بأبدانها تعلق يشبه العشق الشديد، والحب التام،، ولهذا السبب كان كل شيء تطلب تحصيله في الدنيا فإنما تطلبه لتتوصل به إلى إيصال الخير والراحة إلى هذا البدن. فإذا مات الإنسان وفارقت النفس هذا البدن، فذلك الميل يبقى، وذلك العشق لا يزول وتبقى تلك النفوس عظيمة الميل إلى ذلك البدن, عظيمة الإنجذاب، على هذا المذهب الذي نصرناه من أن النفوس الناطقة مدركة للجزئيات، وأنها تبقى موصوفة بهذا الإدراك بعد موتها، إذا عرفت هذه المقدمات فنقول: إن الإنسان إذا ذهب إلى قبر إنسان قوي النفس، كامل الجوهر شديد التأثير، ووقف هناك ساعة، وتأثرت نفسه من تلك التربة – وقد عرفت أن لنفس ذلك الميت تعلقاً بتلك التربة أيضاً- فحينئذ يحصل لهذا الزائر الحي، ولنفس ذلك الميت ملاقاة بسبب إجتماعهما على تلك التربة، فصارت هاتان النفسان شبيهتين بمرآتين صقيلتين وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من كل واحدة منهما إلى أخرى.

فكل ما حصل في نفس هذا الزائر الحي من المعارف البرهانية،والعلوم الكسبية، والأخلاق الفاضلة من الخضوع له، والرضا بقضاء الله ينعكس منه نور إلى روح ذلك الميت، وكل ما حصل ذلك الإنسان الميت من العلوم المشرقة الكاملة فإنه ينعكس منه نور إلى روح هذا الزائر الحي. وبهذا الطريق تكون تلك الزيارة سبباً لحصول المنفعة الكبرى، والبهجة العظمى لروح الزائر، ولروح المزور، وهذا هو السبب الأصلى في شرع الزيارة، ولا يبعد أن تحصل فيها أسرار أخرى أدق وأغمض مما ذكرنا. وتمام العلم بحقائق الأشياء ليس إلا عند الله اهـ.

***********************************************

اللغويون:


1 - ابن منظور في لسان العرب (11/ 78):" ?ِنا نرغب إِلى الله عز وجل ونتضرع إِليه في نصرة ملته وإِعْزاز أُمَّته وإِظهار شريعته، وأَن يُبْقِي لهم هِبَة تأْويل هذا المنام، وأَن يعيد عليهم بقوّته ما عدا عليه الكفَّار للإِسلام بمحمد وآله -عليهم الصلاة والسلام-".

2 - الهوريني "بجاه النبي" اصطلاحات القاموس على كتاب ترتيب القاموس المحيط.

3 - الأصفهاني "نسألك بحق الله وبحق رسوله" الأغاني (10/ 375).

4 - الأبشيهي:"سألتك بحق محمد" المستطرف (2/ 508) وله قصيدة طويلة (1/ 491 - 492) فيها التوسل الكثير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير