يُعد الجاحظ أول من لفت الأنظار إلى هذا النوع من البيان , وحدّ حدوده , وفصل أنواعه , وقال فيه ما لم يُسبق إليه. والعجيب في الأمر أن علماء البيان بعد الجاحظ أعرضوا عن هذه الدلالة , وانحرفوا بها عن طريقها الذي رسمه , والأعجب منه أن بعضهم عاب على المتكلم أن يستصحب مع اللفظ إشارة باليد , أو بغيرها , وظنوا أن في ذلك عجزاً وعياً عن البيان , وتقصيراً عن امتلاك اللفظ الحامل للمراد , مع أنه شيء مركوز في الفطرة , ولذلك يقول الجاحظ: [زعمت الأوائل أن الإنسان إنما قيل له: العالم الصغير , سليل العالم الكبير؛ لأنه يصور بيده كل صورة , ويحكي بفمه كل حكاية] (25). فتصوير المعاني باليد فطرة فطر الله الناس عليها , عند إرادة التعبير عما في النفس , ولا يمكن أن تكون الفطرة عجزاً , بل هي عون للفظ , وموافقة له , بل لا بد من صحبتها حتى لا يلتبس الأمر عند المتلقي.
توافق اللفظ والإشارة: يرى الجاحظ أن الإشارة منها الصواب , ومنها الخطأ , وأن ذلك مرجعه إلى توافق الإشارة مع اللفظ , أو تعارضها معه. فإذا وافقت الإشارة اللفظ صارت صحيحة , وتم للمراد أركانه , وصار المعنى بليغاً , ووصل إلى القلب في صورة بهية. أما إذا خالفت الإشارة اللفظ , فإن المعنى يكتنفه الغموض , ويلتبس على المتلقي المراد , ويأتيه المتكلم من الباب الخطأ , فيقع في اضطراب , ويظل المعنى مطموراً؛ لأن صاحبه لم يحسن إخراجه , والإعراب عنه؛ لما بين اللفظ والإشارة من تنافر , وذاك عيب أي عيب؟! والجاحظ يقول: [إن المعاني مستورة خفية , وبعيدة وحشية , ومحجوبة مكنونة , وإنما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها , وإخبارهم عنها , واستعمالهم إياها. وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم , وتجليها للعقل , وتجعل الخفي منها ظاهراً , والغائب شاهداً , والبعيد قريباً .... وعلى قدر وضوح الدلالة , وصواب الإشارة – الحظ هذا – وحسن الاختصار , ودقة المدخل يكون إظهار المعنى .... ] (26). ولقد نقل الجاحظ – رحمه الله – عن [اسحق بن حسان بن قومة أنه قال: لم يفسر البلاغة تفسير ابن المقفع أحد قط. سئل: ما البلاغة؟ قال: اسم جامع لمعانٍ تجري في وجوه كثيرة , فمنها ما يكون في السكوت , ومنها ما يكون في الاستماع , ومنها ما يكون في الإشارة , ومنها ما يكون في الحديث] (27). وهذا نص صريح في أن البلاغة تكون في الإشارة كما هي في الكلام. وهذا البحث لا ينكر أن الأصل في البيان هو اللفظ , ولكنه ينبه على الوسائل الأخرى , ومن أعلاها الإشارة , فهي وإن لم تكن تستقل - غالباً - بالدلالة , فهي عون للفظ في البيان , وإذا توارى اللفظ لسبب أو لآخر برزت هي لتنوب عنه ,لأنها رديفته ,وتالية له في تصوير المراد. ¥
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري للمكتبة الشاملة، وقد تم التركيز على توفير محرك بحث سريع ودقيق لكافة أجزاء المحتوى، وأيضا توفير تصفح سلس وسهل لمحتوى المكتبة ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
من أين تم الحصول على المحتوى؟
تم الحصول على المحتوى من برنامج المكتبة الشاملة الشهير.
هل المشروع يتبع جهة محددة؟
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
ما هي خطة التطوير بالمشروع؟
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
كيف يمكن دعم المشروع؟
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.