هذا القرآن: هو الذي أنار العقول بالنور الإلهي؛ فأصبحت كشافةً عن الحقائق العليا، وطهَّر النفوس من أدران السقوط والإسفاف؛ فأصبحت نزاعةً إلى المعالي، مُقْدِمَةً على العظائم.
وبهذه الروح القرآنية اندفعت تلك النفوس بأصحابها تفتحُ الآذانَ قبل البلدان، وتمتلك بالعدل، والإحسانِ الأرواحَ قبل الأشباح.
هذا القرآن: هو الذي أخرج الله به من رعاة الغنم رعاةَ الأمم، ومن خمول الجهل أعلام الحكمة والعدل والعلم.
الله أكبر إن دينَ محمدٍ = وكتابه أقوى وأقومُ قِيلا
طلعت به شمسُ الهدايةِ للورى = وأبى لها وصفُ الكمال أفُولا
والحقُّ أبلجُ في شريعته التي = جمعت فروعاً للهدى وأصولا
لا تذكر الكتب السوالف عنده = طلع الصباحُ فأطفئوا القِنديلا
هذا هو القرآن، وها نحن في شهر القرآن، قال الله -سبحانه وتعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).
فقوله -عز وجل-: (أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) يحتمل عدة معانٍ تدور حول هذا الشهر، ومَيْزةِ إنزال القرآن فيه:
- فقد يكون المرادُ إنزالَ القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في رمضان، كما جاء ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
- وقد يكون المرادُ أن ابتداءَ إنزالِ القرآن على محمد – صلى الله عليه وسلم - كان في شهر رمضان.
- وقد يكون المراد أن القرآن قد نزل في مدح رمضان، والثناء عليه، والتنويه بشأنه.
ما أحرانا في هذا الشهر أن نجدد العهد بالقرآن، وأن نكثر من تلاوته وتدبره، وعقله، والتخلّق بأخلاقه، والامتثال بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، وأن يكون ذلك دأباً لنا في بقية أعمارنا؛ لنسعد في دنيانا وآخرتنا، ولِننال الثواب الجزيل من ربنا -عز وجل-.
ولقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة في فضل تلاوة القرآن الكريم؛ فالله -عز وجل- أمر بتلاوة كتابه، وبين أن هذا هو دَأَبُ الصالحين، فقال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ).
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ حرفاً من كتاب الله؛ فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم.
فقراءة القرآن خير وأجر وبركة في كل وقت، وهي في رمضان أعظم وأكبر.
ولقد كان جبريل -عليه السلام- يأتي النبي– صلى الله عليه وسلم - في رمضان؛ فيدارسه القرآن كل ليلة، كما في الصحيحين عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله – صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة".
وفي العام الذي تُوفي فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عارضه جبريل القرآن مرتين، رواه البخاري.
فيا لسعادة من أحب القرآن، وأقبل عليه تعلماً، وتعليماً، وتلاوة، وبذلاً، وعملاً لأجل نشره، والدعوة إليه؛ فيا لسعادة ذلك، ويا لعزته في الدنيا والآخرة، ويا لِحرمان من حُرم ذلك الخير، وصُدّ عن ذلك النور.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[18 Oct 2005, 11:08 م]ـ
شكر الله لك د محمد هذه اللفتة الطيبة ولا غرابة فهي لفتة يسيرة من كتابكم الرائع في أحاديث رمضان والذي آمل من فضيلتكم أن تواصل في طرح شيئ من أفكاره , نفع الله بكم.
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[19 Oct 2005, 02:41 م]ـ
مرحباً بالشيخ محمد، لقد ازداد الملتقى جمالاً وبهاءً بانضمامه إليه، والشيخ من أهل العلم والدعاة المعروفين، ومن المكثرين من التأليف؛ حيث ناهزت مؤلفاته القيمة الماتعة الثمانين، في فنون متنوعه، وهو المشرف العام على موقع دعوة الإسلام، وله عناية كبيرة بمؤلفات المفسر الكبير الشيخ محمد الطاهر بن عاشور فياليته يتحفنا بشيء من أخباره وطرائفه العلمية.
ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[19 Oct 2005, 09:59 م]ـ
أشكر الأخ الدكتور أحمد البريدي على مروره الكريم.
كما أشكر الأخ الفاضل الدكتور إبراهيم الحميضي على مشاعره الطيبة واستجابة لطلبه سأزود الملتقى بنبذ عن سيرة ابن عاشور وبمقالات نادرة له – بإذن الله -.
وإن أردتم الخيار من هذه المقالات فلكم ذلك:
1 - اللذة مع الحكمة.
2 - احترام الأفكار.
3 - مجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
4 - الإنسان على الأرض.
5 - عمر الإنسان.
6 - أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة.
7 - المدينة الفاضلة.
8 - من يجدد لهذه الأمة أمر ديتها.
9 - العلم عند الله.
وللمعلومية فإن هذه المقالات تبين عن علم جم، وعبقرية فذة، وعن جدة في الطرح، وعن عمق في التفكير.
وقد لا تظفر بتلك المعلومات في غير تلك المقالات مع العلم أن بعضها كتبها قبل مائة سنة أي لما كان عمره 25 سنة.
وهذه المقالات نشرت في مجلات قديمة.
وإن أردتم نبذة عن الصداقة العظيمة التي جمعت بينه وبين العلامة الشيخ محمد الخضر حسين فإن ذلك كله قريب ميسور.
ولكم ولرواد الملتقى تحياتي ودعواتي.
¥