تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويدخل في النقل ما وضع لمعنى خاص فاستعمل عاماً. وقد مثل صاحب المزهر لهذا بـ (النجعة) فأصلها طلب الغيث، ثم صار كل طلب انتجاعاً. و (المنيحة) وأصلها الناقة أو الشاة تعطى الرجل ليشرب لبنها ثم أصبحت كل عطية منيحة. ونقل المزهر (1/ 253) قول ابن فارس في فقه اللغة) كان الأصمعي يقول أصل الورد إتيان الماء، ثم صار إتيان كل شيء ورداً). ونظيره (الصَدر) فإن أصله الانصراف عن الماء ثم أصبح كل انصراف صدراً. قال صاحب المفردات (يومئذ يصدر الناس أشتاتاً –الآية- والصدر في الحقيقة صدر عن الماء). وقال الجوهري في الصحاح (وطريق صادر أي صدر بأهله عن الماء) ثم قال (والصَدر بالتحريك الاسم من قولك صادرت عن الماء وعن البلاد)، وأردف (وفي المثل تركته على مثل ليلة الصدر، يعني حين يصدر الناس من حجهم). فأورده خاصاً ثم عممه.

و (المجلة) وضعت لمعنى خاص فقيل إنها الصحيفة التي تكون فيها الحِكم، كما قال الجرجاني في تعريفاته، لكنها استعملت لكل كتاب. ففي الصحاح (والمجلة الصحيفة فيها الحكمة. قال أبو عبيد: كل كتاب عند العرب مجلة).

ومما اجتهد فيه أحمد فارس الشدياق في كتابه سر الليال في القلب والإبدال (551) قوله: (ألا ترى لفظة الدار مثلاً في الأصل من دار يدور، فحقيقة معناها الأصلي ربع مستدير، ثم أطلق على كلّ شكل من البناء)، وقوله (بل الأمر نفسه من هذا القبيل لأنه في الأصل ما يؤمر به ثم عمم، وكذلك الشيء فإنه في الأصل مصدر شاء).

ومن النقل أن يوضع اللفظ لمعنى عام ثم يخصص. وقد عرّفوا التخصيص فقالوا أنه قصر العام على بعض ما يتناوله، كلفظ (الدابة). قال الجواهري في الصحاح (دبّ على الأرض يدبّ دبيباً، وكل ماشٍ على الأرض دابة ... ) فجاء بمعنى الدابة عاماً، ثم قال (والدابة التي تُركت) فخصص. وقال صاحب المصباح: (وكل حيوان في الأرض دابة ... وهو قوله تعالى: والله خلق كلّ دابة من ماء. قالوا أي خلق الله كل حيوان مميزاً كان أو غير مميز) ثم قال: (وأما تخصيص الفرس والبغل، عند الإطلاق، فعرف طارئ).

ومما نقل من العام إلى الخاص الصفات الغالبة، وهي التي أفردت عن موصوفها فخصّت بدلالة وغلبت عليها الاسمية. فـ (نكباء) في قولك (ريح نكباء) صفة لها عموم الدلالة لأنها جارية على الفعل فهي تصف (ريحاً) بأنها تتنكب. وهي لا تختص في الأصل بالريح. أما (النكباء) في قول المرزوقي في شرح الحماسة (806): (والنكباء ريح تنكبت عن الرياح الأربع) فإنها صفة غالبة أُفردت عن موصوفها وخُصت بنوع من الرياح، فأنزلت لذلك منزلة الأسماء وجمعت جمعها على (نكباوات). قال المرزوقي (وإذا كثرت النكباوات واشتد هبوبها شمل القحط).

و (الخضراء) في الأصل صفة للبقلة، لكنها استغنت عن موصوفها فخصصت دلالتها فقيل (ليس في الخضراوات صدقة) أي في البقول، فأنزلت منزلة أسماء الجنس. فالخضراء الصفة الغالبة تدل على البقلة دون النظر إلى اللون، وتجمع على الخضراوات لا على الخُضْر.

و (الدكّاء) صفة (للأرض) إذا انبسطت، ولكنها قُطعت عن موصوفها وخُصصت فعُدَّت اسماً للرابية، وجمعت جمع الأسماء على (دكاوات).

و (الدنيا) في الأصل صفة (للحياة) أو (للدار). ثم أفردت عن موصوفها فقيل (الدنيا)، كما قيل (الأولى)، وهما بمقابل (الآخرة). قال تعالى (فعند الله ثواب الدنيا والآخرة –النساء/ 133)، وقال (وللآخرة خير لك من الأولى- الضحى/4) وقال (ولدار الآخرة خير للذين اتقوا .. يوسف /109). فالدنيا اشتقاقها من (الأدنى) وهو الأقرب. قال الشيخ أبو حاتم الرازي في كتابه الطريف (الزينة في الكلمات الإسلامية العربية 2/ 143): (أي أن هذه الحياة الآخرة هي الحياة الأخرى، وكل شيء له طرفان فالأدنى منهما إليك الدنيا والأبعد هو الآخرة). وقال صاحب المفردات (ويعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر بالدار الدنيا عن نشأة الأولى)، وقال (وقد توصف الدار بالآخرة تارة، ويضاف إليها تارة أخرى .. ). وقال الفراء في هذه الإضافة (هذا كثير في كلامهم أن يضيفوا الشيء إلى نعته إذا اختلف فيه اللفظان كقوله: ولدار الآخرة، وكقوله حق اليقين).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير