تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الثاني فهو: وحي شيطاني نزلت به الشياطين على قلوب السحرة والعرافين بكل مفسد ضار فـ: (مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ)، فما ظنك بعلم يكفر صاحبه فذلك ضرره اللازم، ويؤذي به غيره، فذلك ضرره المتعدي إلى الغير فهو فساد من كل وجه، فيَفسد صاحبه ويُفسد غيره به. فالتمييز بين النوعين أمر يسير إلا على من طمس الله على قلبه فأعمى بصيرته، فلا يميز جنس النبوات الهادي عن بقية أجناس الأخبار الشيطانية أو البشرية، فكيف تختلط الكلمات الإلهية بغيرها من الكلمات البشرية أو الشيطانية فلا تمتاز الأولى على وجه يحصل به كمال البيان والإرشاد، فإن لازم ذلك إبطال الحجة الرسالية، كما تقدم، فإن الحجة لا تقوم إلا بلفظ معجز المبنى والمعنى فلا يقدر الإنس أو الجن على معارضته فـ: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).

وأما النظر في مسلك النبي العام فذلك أمر قد ظهر لكل عاقل نظر بعين الإنصاف في مقالات الأمم في أمور الإلهيات والحكميات، فأخبار النبوات، لا سيما النبوة الخاتمة، قد بلغت الغاية في صحة النقل، فلا تملك أمة غير أمة الإسلام إسنادا متصلا إلى نبيها، أو صاحب مذهبها إن كان أرضيا، فأخبار أهل الكتاب قد علم انقطاعها لا سيما زمن تخريب بيت المقدس، فالإسناد مقطوع بل معدوم في زماننا، وبقية المقالات أشد انقطاعا وانعداما من باب أولى!، فمن من أتباع الديانة البوذية، على سبيل المثال، يملك إسنادا عال أو نازل إلى بوذا؟!، فنقل أهل الإسلام يباين سائر أجناس النقل، فالكتاب العزيز قد بلغ حد التواتر في نقله، والسنة المتواترة قد ألحقت به من هذا الوجه، وأما السنة باعتبار المجموع فهي متواترة، فنقلها في الجملة: متواتر، وأما أخبار الآحاد فقد حررها جهابذة المحدثين وفق معايير نقدية دقيقة فحررت الأسانيد وضبطت المتون، ودواوين السنة شاهد عدل بذلك، بل إن مدارس النقد التاريخي الحديثة قد اقتبست شعبة من تلك المعايير التي سبق بها المحدثون والمؤرخون من أهل الإسلام سائر الأمم.

وهي مع ذلك توافق قياس العقل الصريح، فلا تجد خبرا صحيح النقل يحيله العقل، وإنما غايته أن يحار في إدراك كنهه، فلا يحيل المعنى الذهني فهو جائز التصور، فليس فيه ما يناقض قياس العقل الصريح كحال مقالات من قبيل التثليث الباطل نقلا وعقلا وحسا، والاتحاد والحلول ..... إلخ، فليس في أخبار النبوات ما يناقض قياس العقل الصريح، فإما أن يكون الخبر باطلا، وإما أن يكون عقل الناظر فيه فاسدا أو سيئ المقصد، كحال أصحاب الشبهات الذين يتتبعون المتشابه لمعارضة المحكم به.

وأما أحكامها فهي أعدل الأحكام فتلك شهادة من أنصف من الفلاسفة والنظار، فالناموس الخاتم أعدل ناموس طرق العالم، فلا أعدل من أحكامه التي بلغت الغاية في الملائمة لكل عصر ومصر.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير