تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قائم بها على الوجه اللائق بجلال الرب، جل وعلا، فلا يعلم كنهه إلا هو، فالصحيح في هذا الشأن قول من قال: الأسماء والصفات غير الذات المتصفة بها، لا غير الله عز وجل.

والشاهد أن: اللفظ الدال على الذات غيرها بداهة، ومن قال بأن الاسم هو المسمى فتأويله صحيح بالنظر إلى الاسم لا إلى اللفظ الدال عليه، فاللفظ المرسوم بالقلم على الورق ليس هو الله، عز وجل، بداهة، فآل التسبيح في هذا السياق إلى تسبيح الرب، جل وعلا، فاسمه دال عليه بداهة فالاسم هنا يراد به المسمى جل وعلا، كما تقدم بيانه، فـ: سبح اسم ربك الأعلى تكافئ: سبح ربك الأعلى، فجاء وصفه، عز وجل، بالأعلى، على جهة العهد لاتصال: "أل": باسم التفضيل، فذلك مظنة العهد، على ما اطرد من قول النحاة في دلالة: "أل" المتصلة باسم التفضيل على العهد فاسم التفضيل مظنة العهد لدلالته على التفرد، والتفرد وصف لا يقبل الشراكة فيدل على معهود بعينه، هو الله، عز وجل، فله علو معهود قد بلغ الغاية في الكمال والسؤدد، فهو العلي بذاته وشأنه وقهره، باسمه ووصفه وفعله، فله المثل الأعلى، فلا يصح قياس في حقه تبارك وتعالى إلا: قياس الأولى، فما ثبت لخلقه من أوصاف الكمال المطلق فلا يتطرق إليها النقص من أي وجه، مما قد جاء الوحي بشطريه: الكتاب والسنة، بإثباته، فهو ثابت له، جل وعلا، من باب أولى، فالخالق، عز وجل، أكمل من المخلوق بداهة، فصار العقل عضدا للنقل، فهو التالي له في الاحتجاج في باب الأسماء والصفات الخبري المحض، فذلك جار على ما اطرد من التوافق الكامل بين صحيح المنقول وصريح المعقول.

والشاهد أن العلو، على ما اطرد من الدلالات العقلية المطلقة، جنس كلي، تندرج تحته أنواع فمنه: علو الذات، وعلو الشأن .... إلخ، كما تقدم، فللرب، جل وعلا، منها وصف الكمال الذي تفرد به لدلالة: "أل" الداخلة على اسم التفضيل، فهو مظنة التفرد بالوصف الدال عليه كما تقدم بيانه.

ثم جاء الإطناب بالوصف بالموصول: "الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى" فذلك من قبيل التعريف بالموصول فالبيان لمجمل الموصول: "الذي" في صلته: "خَلَقَ فَسَوَّى"، فمعناها دال على الوصف الذي تعلق به الحكم، فصار ذلك من التشويق بإيراد المجمل الذي تتشوف النفوس إلى بيانه، فجاء البيان عقيبه شفاء للصدور، أو يكون ذلك من قبيل الاستئناف بجواب سؤال مقدر في الذهن فـ: من هو الأعلى؟، فجاء الجواب بحذف المسند إليه على ما اطرد في لسان العرب من حذف المسند إليه إن كان مضمرا مرفوعا على الابتداء، فله شواهد في لسان العرب من قبيل:

مستسر الشنء لو يفقدني ******* لبدا منه ذباب فنبع

فتقدير الكلام: هو مستسر ....

فهو تبارك وتعالى: الذي خلق فسوى، فأطلق العامل وحذف المعمول، مئنة من العموم، فخلق بقدرته وسوى بحكمته، فذلك من كمال وصفه بجلال القدرة وجمال الحكمة، وحمل الزجاج، رحمه الله، كما في "التحرير والتنوير": معمول فعل الخلق على مخلوق بعينه هو الإنسان، لقرينة: (فسوى)، فالتسوية قد اختص بها الإنسان في مواضع من التنزيل من قبيل قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، فيكون ذلك من قبيل المجمل الذي جاء بيانه في مواضع أخرى من الكتاب العزيز، على ما سبقت الإشارة إليه مرارا من بيان آي التنزيل بالتنزيل، فما أجمل في موضع بين في آخر. وقد يقال بأن حمل السياق على العموم آكد في بيان عظم قدرة وحكمة الرب، جل وعلا، فقد سوى كل خلق وهيأه لما خلق له، فكل ميسر لما خلق له بما أعد فيه الآلات وأمد به من الأسباب، فليس ذلك مختصا بخلق بعينه، وإن كان ذلك في النوع الإنساني أظهر وأعظم دلالة على قدرة وحكمة الرب، جل وعلا، فينزل تفسير الزجاج، رحمه الله، منزلة تفسير العام بذكر فرد من أفراده على سبيل التمثيل تنويها بشأن المثال المذكور، فآيات القدرة والحكمة في خلق الإنسان، أعظم، كما تقدم، فلا يمنع تفسير العام بفرد من أفراده دخول بقية الأفراد تحت عمومه، ففي كل خلق آية ظاهرة تدل على وحدانية الرب، جل وعلا، في ذاته، وأحديته في صفاته.

ثم جاء الإطناب بوصف فعل ثالث: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير