تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأطلق العامل على ما اطرد من عموم وصف فعل الرب، جل وعلا، فقدر أزلا بعلمه المحيط، ثم هدى كلا إلى ما قد قدر له فهيأ له سببه، ويسر له فعله، فجاء المقضي في عالم الشهادة تأويلا للمقدور في عالم الغيب، فلكل محل ما يلائمه من الخير إن كان طيبا، ومن الشر إن كان خبيثا، فتنوع المقادير مئنة من كمال قدرة الرب، جل وعلا، بخلق الأعيان والمحال المتباينة، وحكمته بإمداد كلٍ بما يلائمه من أسباب الخير أو الشر.

والذي أخرج المرعى: فذلك من الإخراج الكوني، على ما اطرد في مثل هذه المواضع من انقسام مادة الفعل إلى:

كوني: كإخراج المرعى كما في هذا السياق، وإخراج الحي من الميت كما في قوله تعالى: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ).

وشرعي: كالأمر بالخروج إلى الهجرة، فسؤال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخروج في نحو قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ)، جار مجرى التشريع فلا يخرج النبي إلا بأمر ربه، جل وعلا، ولذلك عوتب ذو النون، عليه السلام، إذ خرج بلا إذن، فالتقمه الحوت وهو مليم.

وجاءت "أل" في: "المرعى"، مئنة من العموم، فذلك، أيضا، آكد في تقرير المنة الربانية، فالمرعى، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، إما أن يكون مصدرا ميميا دالا على المرعي، وهو النبت الذي تأكله الأنعام، فيكون ذلك من مجاز التعلق الاشتقاقي، عند من يثبت وقوع المجاز في التنزيل، فقد ناب المصدر عن اسم المفعول، فأطلق المرعى وأراد المرعي الذي تأكله الأنعام، فذلك من قبيل إطلاق الخلق وإرادة المخلوق في نحو قوله تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)، ومن ينكر وقوع المجاز في التنزيل فهو على أصله برد التنازع إلى لسان العرب، فهو الحكم في هذا النزاع، فما جرى به اللسان العربي فهو حقيقة لا مجاز وإن خالف الدلالة المعجمية المطلقة، فالدلالة الحملية للسياق قرينة تعين مراد المتكلم.

وإما أن يكون اسم مكان، فالمرعى: مكان الرعي، فيكون ذلك من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه، فيكون ذلك من المجاز المرسل ذي العلاقية المحلية، فأطلق المحل، كما تقدم، وأريد به الحال فيه من النبت، ومن ينكر المجاز يستند إلى قرينة فعل الإخراج الذي صدرت به الآية فالإخراج لا يكون بداهة إلا للنبت الذي تأكله الأنعام، فهو محل الامتنان، وقد عدل على اسمه بعينه إلى اسم المرعى زيادة في المنة بالتذكير بها وبمحلها الذي تنبت فيه، فضلا عن إشارة لفظ:"المرعى" إلى فعل الرعي فهو محل الامتنان، فترعاه الأنعام وينتفع به أصحابها، فنماؤها نماء لأموالهم، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله.

ثم جاء التعقيب بتبدل الحال إلى الضد: (فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى): فذلك مئنة من كمال ربوبيته، جل وعلا، فجعله: على جهة التكوين فالجعل في هذا السياق: كوني نافذ بمشيئة الرب جل وعلا، فجعله: غثاء أحوى، فالفاء مئنة من التعقيب، على ما تقدم في مواضع سابقة من كلام ابن هشام رحمه الله في "شرح قطر الندى"، من دلالة العرف على التعقيب فمنه ما يكون تاليا على جهة الفور، كقولك: أكل فشبع، ومنه ما يكون تاليا على جهة التراخي كقولك: دخلت بغداد فالبصرة، وليس في الفاء في هذا السياق معنى السببية، فليس سبب يبسه وتغير لونه إلى السواد: إخراجه من الأرض، بل سبب ذلك ما يعرض له من التغير بمقتضى سنة الرب، جل وعلا، الكونية في طروء النقص على كل مخلوق بعد كمال نمائه، فذلك أمر مطرد في كل الكائنات حيها وجمادها، عاقلها وأعجميها.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 04 - 2010, 08:15 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير