تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رحمهم الله، فهم مخاطبون بها في نفسها، فهي أمور صالحة، ولكنا لا تصح حتى تسبق بالأصل المصحح لها: أصل التوحيد الأول، فهم مخاطبون بها وبما لا تصح إلا به من التوحيد الأصل المصحح لكل تصور وحكم.

ثم عطف بمقتضيات ذلك التوحيد فهو علم نافع لا بد أن يولد في النفس إرادات صالحة وأعمال صحيحة: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ: بالسير على منهاج النبوة في كل شأن: علمي أو عملي، فردي أو جماعي، تشريعي أو تنفيذي، بلغة العصر، فلا يعدل عن الرسالة إلى ما سواها من المناهج ولا يعدل عن طرائقها إلى ما سواها من الطرائق، وَاسْتَغْفِرُوهُ: فلا بد من وقوع التقصير فلزم الاستغفار جبرانا، فذلك من قبيل: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا"، و: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ"، فعطف الجابر على المجبور إتماما للمعنى، فعقيب كل عمل: استغفار، ولو كان طاعة محضة كالصلاة، فلا بد من نوع تقصير، كما تقدم، فالاستغفار منه ما هو وقائي يدفع مادة الخواطر الفاسدة لئلا تتولد منها إرادات جازمة تدخل في حيز الكسب، ومنه ما هو جبران للطاعات فلا بد من شوب غفلة وذهول، فلا تكاد عبادة تسلم من سهو، ولا تكاد نية تخلو من حظ نفس، والرب، جل وعلا، شكور، يقبل القليل من عباده، ولا يؤاخذهم بما لا يقدرون على دفعه من الخواطر فحسبهم أن يحسنوا الظن به، جل وعلا، فيستعينوا به لدفع تلك المكدرات، ومنه ما هو تخلية للمحل من آثار الذنب قبل تحليته بالطاعة، فذلك الاستغفار الواجب.

ثم جاء التحذير بالدعاء على جهة التنكير تعظيما فـ: ويل للمشركين: فهو واد في جهنم ورد في وصفه آثار تدل على بشاعته، فخص به المشركون لدلالة اللام على الاختصاص إمعانا في النكاية، فساغ الابتداء بالنكرة لجريانها مجرى الدعاء بالشر، فنظيره من الدعاء بالخير نكرة ساغ الابتداء بها: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، ولا يمنع ذلك من دخول غيرهم في ذلك الويل، فيجري القصر هنا مجرى القصر الإضافي إمعانا في النكاية، فالويل قد توعد به غيرهم: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، فأولئك من جملة المشركين إذ نازعوا الرب، جل وعلا، منصب التشريع، بكتابة ما يوافق أهواءهم ويلائم أذواقهم، كما هي الحال في زماننا، فذلك مما سلكنا فيه سبل من قبلنا، فكانت الريادة ليهود مع تحفظهم في مسألة النسخ إلى حد التعنت تعصبا لملتهم، فلا ناسخ لها بزعمهم، بل لا نسخ أصلا، لئلا يلزمهم شيء من نسخ المسيح عليه السلام، الجزئي، أو نسخ النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم الكلي، ثم جاء بعدهم النصارى ففتحوا الباب على مصراعيه فكل ينسخ ويحكم ما شاء من الأخبار والأحكام!، ثم جاءت الشريعة الخاتمة بالتوسط في أمر النسخ، ولكن أبى العلمانيون إلا أن ينسخوا جملة عظيمة من الشرع المنزل، فأقصوه عن الحكم في دنيا الناس، وعصمه الرب، جل وعلا، من العبث في أصوله، فلو استطاعوا لمحوه من الدواوين، فهو محفوظ رغم أنوفهم، حتي يقيض الله، عز وجل، له من يقوم بأمره فيعيد الدنيا مرة أخرى لسلطان الدين الخاتم.

و: (َوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ)، فذلك أيضا، جار مجرى القصر الإضافي ترهيبا من تأخير الصلاة عن وقتها فكيف بمن تركها بالكلية، فهو داخل في حد الوعيد من باب أولى، بل قد وقع الخلاف في تكفيره، لو تركها كسلا، وهو خلاف معروف مشهور بين أصحاب المذاهب المتبوعة، رحم الله الجميع، وحسب التارك، إهانة ومساءة، أن يكون إيمانه محل جدال وتشكك!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير