ثم جاء التذييل بوصف من أوصافهم: الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، فجاء أداء الزكاة من باب ذكر فرد من أفراد عموم الإيمان، الذي انتفى عنهم بانتفاء أصله وامتناعهم عن أداء فروعه بداهة، فذلك من جنس ما تقدم من خطاب الكفار بفروع الشريعة، فهم مخاطبون بها وبما لا تصح إلا به، فذلك جار مجرى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ)، فقدم ترك الصلاة، وترك الإطعام، والخوض وتلك فروع على التكذيب بيوم الدين فذلك أصل.
والإيتاء، كما تقدم في مواضع أخرى، أبلغ في الدلالة على الامتثال من مجرد الإعطاء، فالإعطاء قد يكون عن غير رضا كما في قوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، فلا يعطونها عن طيب نفس بداهة، وإنما يعطونها بسيف الشريعة العادل فقد قهرهم طلبا، وعدل فيهم بقبول الجزية فبها تعصم دماؤهم إلا من نقض العهد، وما أكثر من نقض منهم في زماننا، ولا سلطان للزمان ينتصر للملة الخاتمة ونبيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اولئك السفلة، فإن ذلك حق لا يستوفيه إلا السلطان الغيور على الدين، لئلا تقع الفتنة والتهارج لو قام بذلك آحاد المكلفين، ولا غيرة في زماننا على الملة، فكل السلاطين إلا من رحم الرب، جل وعلا، يغارون على عروشهم أكثر من غيرتهم على الدين، فسبهم أعظم جرما من سب الرب، جل وعلا، وسب دينه ونبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا كان أمر الدين: فبرود ودياثة منقطعة النظير، وإذا كان أمر الدنيا والسلطان: فحمية وغيرة منقطعة النظير!.
فذكر صورة من صور فسادهم العملي، ثم ذيل بـ: (وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، فذلك الفساد العلمي، فلا يكفر بالشرع فيعرض عن امتثال أحكامه جحودا واستكبارا إلا من أنكر اليوم الآخر بداهة، وإن آمن بطرف لسانه، فلسان حاله أبلغ في التكذيب، فذلك جار على ما تقدم مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر: صلاحا أو فسادا.
وجاء السياق مؤكدا بجملة من المؤكدات اللفظية التي تدل على شدة تلبسهم بالكفر:
وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ: فقدم ما حقه التأخير: (وهم بالآخرة)، وجيء بضمير الفصل، فذلك مئنة من شدة تلبسهم بوصف الكفر العلمي الذي ولد من فساد العمل ما ولد، فمنع الزكاة من أظهر صوره، فالإيمان الصحيح إنما يظهر أثره في بذل الأبدان والأموال نصرة للملة.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[18 - 04 - 2010, 01:49 م]ـ
شكر الله لك أخي مهاجرا
دمت مبدعا ونافعا ومفيدا
ـ[ابو وسام73]ــــــــ[23 - 04 - 2010, 12:23 ص]ـ
بوركت أخي الكريم وحفظك الله من كل شر ومن كل سوء
ـ[الشّابّة المقدسيّة]ــــــــ[28 - 04 - 2010, 02:09 م]ـ
ومنكم نستفيد أستاذنا الفاضل .. جزاكم الله خيرا
لفت نظري أمر ما .. أداة القصر إنّما، وأنّما .. هل الفرق بينهما كما الفرق بين إنّ وأنّ؟ بارك الله فيكم
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 05 - 2010, 08:57 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أيها الكرام الأفاضل على المرور والتعليق وبارك فيكم.
ربما، والله أعلم، كان فتح: "إن" الأولى لأنها أتت في صدر الجملة، وهذا من موجبات كسر همزة إن، بخلاف: "أن" الثانية فهي مع ما دخلت عليه في تأويل نائب فاعل لـ: يوحى على تقدبر: يوحى إلى وحدانية إلهكم، وهذا التأويل من موجبات فتح همزة "إن" فتكون علة الكسر والفتح هنا نحوية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[الشّابّة المقدسيّة]ــــــــ[02 - 05 - 2010, 11:32 ص]ـ
جزاك الله خيرا
في ميزان حسناتك إن شاء الله