تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سويعات بنعيم روضات الجنات، وبئست الصفقة!. فإن علم الله، عز وجل، فيه خيرا أجرى عليه سنة الابتلاء بالتضييق عله يعيد النظر التكليفي بتحري الحكم الإلهي، وإن علم فيه الشر المحض بمقتضى أمره الكوني النافذ، فالشر ذاتي في مقدوره لا في قدره فهو معدن الخير، وإن ظهر للناظر خلاف ذلك بادي الرأي، فالمصلحة آجلة لا يدركها إلا من ابتلي فصبر، فذلك مقام لا ينفع فيه مقال، إلا على سبيل التذكرة، فالمنصور من نصره الله وثبته فضلا، والمخذول من خذله الله وأزاغه عدلا، وليس للعباد إلا سؤال التثبيت حال النوازل الكونية بترديد الأذكار الشرعية قولا، وامتثال الأحكام العملية فعلا وتركا، وقبل ذلك: تفقد أحوال الملوك ذوي الأسرة والتيجان: القلوب التي تصدر عن أمرها الأبدان، فكثير منهم قد أساء السيرة في الرعية فاستحق العزل بل الخلع.

وفي المقابل:

وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ: فتكرار العامل لبعد العهد، ولإيراد الأمرين إيراد المتقابلين، فالربا يرادف الزكاة في المعنى اللغوي فكلاهما: زيادة، ولكن الزكاة تزيد عليه قيد التطهير، فهي زيادة وزيادة!، وفي ذلك دليل لما ذهب إليه المحققون من أهل العلم من ندرة وقوع الترادف في لغة العرب، بل ربما انعدامه، فإن الاشتراك في المعاني الكلية المطلقة لا يلزم منه الاشتراك في الحقائق بعد تقييدها، على ما تقدم في أكثر من موضع من كلية: القدر الفارق والقدر المشترك التي يزول بها ما يزول من الإشكالات، فالزيادة في هذين اللفظين: قدر مشترك جامع، والتطهير قدر فارق استقلت به الزكاة، فهو بمنزلة الفصل في الحد الشارح، إذ به يخرج بعض أفراد المحدود فتضيق دائرة عمومه بتوالي القيود الفاصلة عليه حتى يصل العقل إلى المعنى المراد إن كان ذهنيا، أو يصل الحس إلى الحقيقة العينية إن كانت خارجية، وتلك إجراءات عقلية معقدة لا يشعر الإنسان بها ولا يبذل جهدا في تحصيلها، فضلا من الرب الخالق، عز وجل، فاستدعاء الصور المعنوية من الذاكرة ومقارنتها بالصورة الحسية الظاهرة قياس عقلي تدرك به الحقائق على وجه التعيين فدلالة العقل عليها دلالة الخاص على معناه، واستدعاء الكليات الذهنية المطلقة من قبيل: كل من تكلم فله لسان، قياس عقلي تدرك به الحقائق على جهة العموم والشمول دون تعيين فرد بعينه، وتلك الأقيسة لا تكون إلا فرعا عن تصور سابق للحقائق الخارجية، فلا عمل لها في الحقائق الغيبية إذ الطمع في إدراك حقائقها الخارجية مقطوع، على حد قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، في أحد قولي أهل العلم، فلا تدركه في الدنيا لتقيس صفاته على صفات خلقه فتقع في التشبيه المذموم الذي يحمل صاحبه على التعطيل نفورا من قبح النتيجة فرعا عن فساد المقدمة، والحق وسط بين غلاة نفاة الحقيقة الإلهية الخارجية، من أهل الاعتزال ومن سار على طريقتهم من المتكلمين لا سيما متأخريهم، وغلاة مثبتة الحقيقة الخارجية من الممثلة والمشبهة في الحقائق الخارجية دون الحقائق الذهنية الكلية التي يسوغ وقوع التشابه فيها على جهة الاشتراك المعنوي المطلق، كما تقدم مرارا، فالحق: إثبات القدر المشترك في المعاني ونفي القدر الفارق في الحقائق، إذ العقل عن إدراك كنه بل ألفاظ الغيب معزول، فلا يتلقى ذلك إلا من خبر النبوات الصحيح الصريح، بل إنه معزول عن إدراك الحقائق على جهة الإدراك الشامل ولو في دار النعيم، فلا يدرك الرب جل وعلا على جهة الإحاطة، تعالى أن يحيط به قياسُ معقول أو يحده حسُ مخلوق، وإنما يدركه على جهة النظر إليه تنعما، على القول الثاني لأهل العلم في قوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فتراه ولا تدركه، ونفي الأعلى لا يستلزم نفي الأدنى فقدر الإدراك الجزئي قدر مشترك هو الأخر بين النظر الجزئي والإحاطة الكلية، فالإحاطة نظر وزيادة، فإذا نفي الأعم، نفي القدر الفارق وهو: زيادة الإحاطة، وثبت القدر المشترك وهو: مطلق الرؤية على جهة التنعم، وأعظم به من نعيم حرم منه المحجوبون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير