تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يبلغ الحق الذي معها، وفاز من قعد عن القتال من الصحابة، رضي الله عنهم، بأعظم نصيب من الحق، فالفتنة إذا أقبلت اشتبهت على أكثر الناس، وإذا ارتحلت علموا حقيقتها بعد فوات الأوان.

فذكر الصياصي هنا من باب ذكر بعض وإرادة كل، فالقرون جزء من هيئة البقر، والمراد تشابه الذوات لا القرون، وقد تحمل على القرون فلا حاجة إلى التقدير، فالشبه بينها، أيضا، كبير، فكلها على هيئة واحدة، فتشابه قرون البقر كتشابه ذواتها.

وشبه التي بعدها بقوله: "كنفجة أرنب"، فذلك تشبيه مرسل مجمل آخر فقد شبهها بثورة الأرنب مئنة من قصر مدتها، كما في "اللسان": "ومنه الحديث أَنه ذَكر فِتْنَتَين فقال ما الأُولى عند الآخرة إِلا كَنَفْجةِ أَرنبٍ أَي كَوَثْبَتِه من مَجْثَمِه يُريدُ تقليلَ مدتها"، ومن مأثور عمر رضي الله عنه: "والله ما الدنيا في الآخرة إلا كنفجة أرنب"، فذلك مئنة من قصر عمر الدنيا، فكذلك الفتن تأتي فيحار المرء فيها فتزول بسرعة، فإذا فتنة أعظم قد أقبلت، فلا يزال الإنسان مبتلى بالفتن الخاصة والعامة ما جرى عليه قلم التكليف.

فجاء جواب ابن حوالة رضي الله عنه: ما خار الله لي ورسوله، فتحتمل: "ما": الاستفهام، أو الموصولية، فما الذي يخاره الله ورسوله لي في هذه الفتنة؟، فذلك من تمام التسليم لأمر الوحي، فـ: (مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، فما خاره الوحي للمكلف خير مما خاره لنفسه، وما اختاره الرب، للعبد من المقدور: كونيا كان أو شرعيا، خير مما يظن أنه الخير، فذلك مما يوصد به المرء باب السخط على القدر الكوني، وقل من يسلم منه في زماننا، فلا يرضى إلا قليل باختيار الرب، جل وعلا، فيسخط بلسان مقاله أو حاله، وذلك مئنة من قلة الصبر وسرعة الجزع، ويوصد به، أيضا، باب الابتداع في الدين، فيرضى بشريعة الرب، جل وعلا، حكما في كل شئونه، فهي الحكم في عباداته ومعاملاته، وهي الحكم في الشأن الخاص والشأن العام، فالرضا بها حكما مئنة من الرضا بالله، عز وجل، ربا مدبرا مهيمنا.

وتحتمل الموصولية فأختار ما خار لي الله ورسوله، وهو، أيضا، معنى صحيح يدل على كمال التسليم لأمر الرب، جل وعلا، وأمر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ثم جاء رد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اتبع هذا": فأشار إليه بإشارة البعيد مئنة من علو الشأن، فذلك من تعظيم قدره، رضي الله عنه، فالحق معه لا مع من ظلمه، ثم جاء التذييل بعلة ذلك: "فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق" فهو آكد في تقرير المعنى، فناسب ذلك أن يقرن بالفاء فمعنى السببية فيها ظاهر، وأن يصدر بالمؤكد الناسخ: "إن"، فذلك، كما تقدم، مئنة من التوكيد.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير