تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ: فلا يكلمهم على جهة التكريم، وإن ثبت تكليمه، عز وجل، لهم على جهة التقرير والتوبيخ، وجاء تكرار: "لا" توكيدا بالإطناب في معرض الذم فذلك آكد في تقريره، وبعد بيان صور بعينها من العذاب الحسي والمعنوي، جاء التذييل بالإجمال على ما تقدم ذكره من التوكيد بالإطناب، فينزل ذلك منزلة العموم بعد الخصوص، فلهم، على جهة الاختصاص، بتقديم ما حقه التأخير، دون غيرهم: عَذَابٌ أَلِيمٌ: نكر تعظيما ووصف بالأليم تبكيتا، فوصفه بـ: "فعيل" جار مجرى المبالغة، فهو أليم بمعنى مؤلم شديد الإيلام، وأطلق نوعه فعم ما تقدم من صور العذاب المحسوس والعذاب المعقول.

ثم جاء الإطناب في بيان حالهم الردية فـ:

أولئك: على ما تقدم من الدلالة المعنوية للإشارة إلى البعيد في معرض الذم، والتعريف بالموصول تعليقا للفائدة بالوصف الذي اشتقت منه الصلة، فأولئك الذين اشتروا: فاستعير معنى الشراء للاستبدال، على جهة الاستعارة التصريحية، أو هي من قبيل الاستعارة المكنية بتشبيه فعلهم بصفقة بذل فيها الهدى ثمنا للضلالة، وما ترتب عليه لزوما من بذل المغفرة ثمنا للعذاب، وفي ذلك من فساد الطريقة ما فيه، وهو دليل على فساد عقل صاحب هذه الصفقة الخاسرة، فشبه فعلهم باختيار الضلالة وما يترتب عليها من العذاب، بالصفقة التي يقع فيها الاستبدال، وحذف المشبه به وكنى عنه بلازم من لوازمه وهو الشراء الذي يقع لزوما في أي صفقة.

ثم جاء التذييل على جهة التعجيب كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله:

فنزل غير الواقع فلما يقع بعد منزلة الواقع الذي يصح التعجب من وقوعه، فذلك آكد في تقرير معنى الزجر، ولا يخلو من نوع تهكم بهم، فليس لأحد من الخلق صبر على العذاب، وإنما صح ذلك تنزيلا للسبب منزلة المسبَّب فإنهم لما باشروا أسباب العذاب على نحو فيه من الجرأة ما فيه، نزل ذلك منزلة جرأتهم على العذاب، فذلك من جنس الأثر المعروف: "أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار"، وقد حمل أبو عبيدة معمر بن المثنى، رحمه الله،: "ما" في هذا السياق على الموصولية، فصار المعنى استفهاما تقديره: فما الذي أصبرهم على النار؟!، ولا يخلو من معنى تعجيب وتوبيخ، أيضا، فالجواب: أصبرهم عليها تقديم العاجل الفاني من عرض الدنيا على الآجل الباقي من نعيم الآخرة، وذلك، كما تقدم، مئنة من فساد قياس وتصور فاعله.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير