تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ساوت في الظلم بين كافة الأديان، وإن اختصت الإسلام بمزيد عداوة، إلا أنها في الجملة تقصي الدين، أيا كان، من واقع الحياة، لا سيما من واقع الأفراد، فالغربي ملحد بلسان حاله، إن لم يكن بلسان مقاله، والساسة بذلك راضون بل وعليه حريصون حفاظا على قيم العلمانية التي بذلت في سبيلها دماء وفيرة، في صراع شرس بين الشعب المقهور، والسلطة السياسة والدينية الطاغية المتمثلة في حكم الإقطاع الذي يتزعمه الإمبراطور أو الملك، وحكم الكنيسة الذي يتزعمه البابا المعصوم، فكان لزاما على الجماهير، أن تسير على منهاج السنة الكونية المطردة، فتبذل مقابل ما آمنت به، ولو كان باطلا، فالعلمانية في جملتها باطل، وإن لم تخل من نقاط مضيئة، كحرية التعبير عن الرأي، وإن كان ذلك في أحايين كثيرة، خداعا للجماهير لتقنع، كما يقول بعض المفكرين المعاصرين، بفتات مائدة الرأسمالية، فتهبها قدرا من الحريات العامة التي تصل على المستوى الفردي إلى درجة الإلحاد الديني والانحلال الخلقي، وهو قدر يبدو كبيرا، لا سيما إذا قورن بهامش الحريات الضئيل في بلاد المسلمين بعد عزل الإسلام وتولية العلمانية المتطرفة التي لا تحارب في بلادنا إلا الإسلام دون سائر الأديان في انتقائية عجيبة فليتها كانت علمانية أوروبية لا دينية تسوي بين الأديان في الظلم!، وإنما اختصت الملة الخاتمة بمزيد عداء، بل بالعداء كله تقريبا، فهي، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين: لا إسلامية، وإن رضيت بالنصرانية واليهودية، بل وسعت في كسب ود أتباعهما، فبذلت من سيادتها المنقوصة ما بذلت إرضاء لمن لا يرضى، فـ: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)، ولعل النموذج المصري المعاصر الذي خضعت فيه الدولة المدنية المزعومة لسلطان الأقلية النصرانية التي تتفنن في استفزاز الغالبية العظمى من أبناء مصر من المسلمين وتتعمد توجيه التهديدات المبطنة والصريحة في الآونة الأخيرة إلى مؤسسات الحكم المتداعية، كما وقع في أزمة الزواج الثاني للمطلقين من النصارى الذين تصر الكنيسة على انتزاع حق الحياة السوية منهم بمنعهم من الزواج بزعم أن الإنجيل قد نص على ذلك!، لعل ذلك النموذج خير شاهد على تلك العلمانية المتطرفة التي لا تجيد استعمال القوة إلا مع المسلمين، بينما يحظى غيرهم بدعم خارجي يجعل الدولة تفكر ألف مرة قبل التعامل معهم، ولو وفق عقد المواطنة المزعوم الذي يزعم واضعوه أنه يسوي بين الأفراد، وقد صار أقصى طموح المسلم في بلد تبلغ نسبة الإسلام فيه نحو 94 %، أن يعامل معاملة النصراني!، فحقوقه كمواطن فضلا عن مسلم في بلد إسلامية: منتهكة، ولا بواكي له، كما للنصارى الذين تبكي أمريكا عليهم أنهارا من الدموع!، وهي كما عهدناها: حامية حقوق الأقليات في جميع أنحاء العالم إلا الأقليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية، وأخيرا الأقليات الإسلامية من جهة الحقوق لا العدد في الدول الإسلامية!، فليس أولئك في دائرة اهتماماتها، ويقال أيضا: بأن هذا الفتح الإسلامي الراشد لو كان غزوا من جنس الغزو العسكري المعهود لاضمحل كما اضمحلت فتوحات القادة العسكريين الذي حفظ التاريخ سيرهم العسكرية فقد انهارت دولهم عقيب وفاتهم أو حتى قبل ذلك فثار أهل البلاد المفتوحة عليهم بمجرد أن دب الضعف إلى سلطانهم وعادت البلاد كما كانت بعد تحررها من قبضة الاحتلال، وهذا ما لم يحدث في التجربة الإسلامية فقد تمكن الإسلام من القلوب فلم تزل الشعوب تستمسك به أكثر مع تراخي قبضته العسكرية والسياسية، لا سيما في الأعصار الأخيرة، فلو كان حكمه قهرا كحكم سائر حكومات الاحتلال لكان زماننا أفضل زمان للثورة عليه واستعادة الحرية من سلطانه بالردة العامة عنه فليس ثم ما يصد عن ذلك بل القوى العظمى تساند المرتدين وتقدم لهم الدعم، ولو آحادا، فكيف إذا ارتدت شعوب بأكملها؟!، والشاهد أن العلمانية، مع تطرفها وفساد مقالتها، لم تطبق بحذافيرها في بلادنا، وإن طبقت بشكل انتقائي ضد الإسلام وحده، وهذا ما جعل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير