تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المندوب كهدي المعتمر والأضحية على الراجح من قول جمهور أهل العلم، ففيه أيضا، شاهد لمن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، والعبادتان: توقيفيتان، فلهما من الأوقات والهيئات ما لا يعلم إلا بتوقيف من الوحي، فذلك، أيضا، من بركة النبوة، فبها علم العباد كيف يشكرون ربهم، جل وعلا، بأجناس الإرادات والأقوال والأفعال، فأعظم منة على الشاكر أن ألهمه الشكور، جل وعلا، شكره، وبين له كيف يكون، فلا تكون عبادة صحيحة إلا بنية خالصة وهيئة مشروعة، وكلاهما مما قد بينته النبوة بيانا وافيا، فلا يفتقر السالك إلى الرب، جل وعلا، بعد بيان النبوة لمعالم طريق الهجرتين، إلى بيان غيرها، فلا قياس ولا ذوق ..... إلخ، وإنما وحي منزل من رب العالمين على قلب النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فبرسم العصمة قد نزل، فلا يحتمل ما يحتمله غيره من الكذب أو الخطأ، فالعصمة في اتباع المعصوم، والسداد في إعمال العقل في تقرير أدلة النبوة، فمتى ثبتت صحة الدعوى بالنظر فيها وفي حال مدعيها، فلا يلتبس النبي الصادق بالمتنبئ الكذاب، وإن ظهر أمر المتنبئ ابتداء فذلك من تمحيص الرب، جل وعلا، لما في صدور العالمين، متى ثبتت فمتبعها في أمان من التخليط، فلا يفتقر، كما تقدم إلى ما سواها من الآراء والأذواق، كما قد ضلت فئام من أصحاب القوى العلمية والعملية لسلوكها طرق النبوات المحرفة، أو البدع الحادثة في الملة الخاتمة، فإذا اطمأن السالك إلى عدالة وصدق الدليل المرشد، فلا عليه أن يقلده، فتقليده، بعد ثبوت الدليل على صحة دعواه، هو عين الاتباع، فالمتبع لا يسلم لمتبوعه إلا بعد الاستيثاق من صحة قوله، فهو عدل في مسلكه ضابط في نقله، والأنبياء، عليهم السلام، أحق البشر، بداهة، بالتوثيق فلا يفتقرون إلى توثيق بعد توثيق الوحي فـ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)، فإذا كان الصحابة، رضي الله عنهم، وهم دونهم في المنزلة، لا يفتقرون إلى التوثيق، فجهالتهم لا تضر، فكيف بالأنبياء عليهم السلام، وهم المؤيدون بالوحي المعصوم، ولذلك كان تقرير النبوات والسير على منهاجها أشرف المسالك العلمية والعملية، فهو أشرف ما أنفقت فيه الأعمار، وبذلت فيه قوى الفكر والبدن.

وقد حذف متعلق الفعلين للعلم به بداهة، فصل: الصلوات، وانحر الذبائح، فذلك من المعلوم البدهي، وحذف ما يعلم جائز، كما قرر ابن مالك، رحمه الله، في ألفيته، بل ذلك مما يحسن في مقام الإيجاز، كهذه السورة فهي من القرآن المكي الذي امتاز بالإيجاز فمقام البلاغ لمن هو منكر جاحد فهو معرض أبدا لا يكاد يقف مستمعا أو متأملا، ذلك المقام يلائمه الإيجاز، فتعلق الألفاظ بالأسماع لتعمل فيها الأذهان الفكر فـ: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)، فإعمال الفكر لا يؤتي ثمرته إلا إن قل العدد، ولذلك كانت الخلوة أنفع شيء في هذا الباب، فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخلو بنفسه متحنثا متأملا، فلا تؤتي الخلوة ثمرتها إلا إذا كانت على منهاج النبوة، فالفقه قبلها حتم لازم، وإلا ضل المختلي، فهو صيد سهل للشيطان، يناله بحيل وصور يظنها خوارق وكرامات، وهي محض وساوس، فالعلم فرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، كما قرر ذلك المحققون من أهل العلم كابن تيمية رحمه الله، فلا نجاة، كما تقدم، إلا باقتفاء آثار الأنبياء عليهم السلام علما وعملا، فعلومهم أنفع العلوم، وأعمالهم أصلح الأعمال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير