تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحرية الإنسانية والدينية في ظل سلطان الإسلام، كنصارى مصر الذين ما علموا وصف الآدمية فضلا عن الحرية إلا بعد الفتح الإسلامي، الذي حررهم من نير الرومان، لو علموا ذلك، وهو أمر قد شهد به التاريخ، وهو كما تقدم مرارا، شاهد عدل محايد، لو علموا ذلك لعظموه، وإن لم يؤمنوا به، فتلك حال قلة من عقلائهم، فضلا عمن أضيف إلى عقله السداد فنظر في أدلة النبوة الخاتمة، فعلم يقينا أنها طريق النجاة الوحيد، فهي المصدقة لما قبلها المفصلة لما أجمل فيه من الأخبار والأحكام، فخبرها أصدق خبر وحكمها أعدل حكم، والشاهد أن الأمر الإلهي: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر)، قد حف بعلة تقدمته، وعلة ذيل بها، فجاءت على حد الفصل بلا عاطف لشبه كمال الاتصال بين المعلول المتقدم وعلته المتأخرة، فضلا عن تصديره، أيضا، بالمؤكد الناسخ، فذلك مظنة التعليل وإن لم يكن نصا صريحا فيه، كما قرر ذلك الأصوليون، فعلة ذلك:

إن شانئك هو الأبتر:

فجاء التوكيد بـ: "إن"، كما تقدم، واسمية الجملة، وتعريف جزأيها، وضمير الفصل، وذلك أبلغ في الانتصار للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذم مبغضه وعقوبته بجنس ما افتراه في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن أبغضه وكره ذكره والصلاة عليه، وفرح للقدح في عرضه الشريف وتمنى بتر ذكره وذكر رسالته، فهو أبدا، ساع في إزالة معالم الرسالة الخاتمة، مريد لإطفاء نورها الذي سطع على الأرض، فدفع عنها اللعنات، فهي، كما يقول بعض المحققين، ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس النبوات، وأسطعها، بداهة، شمس النبوة الخاتمة، فرسالتها عالمية، وأمرها إلى ظهور، فـ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ"، وذلك من دلائل النبوة الخاتمة التي نشاهد تأويلها في زماننا، فكلما ازداد التشويه والافتراء زاد إقبال الناس على التعرف على هذا الأمر الذي شغل الناس به وبسب صاحبه!، فعلموا أنه الحق الذي لولا إثارة الشبهات حوله ما ظهرت نفاسة معدنه، في مقابل خسة معادن مخالفيه الذين لا يملكون حجة واحدة من نقل أو عقل تسلم لهم من المعارضة، فالشدائد تظهر المعادن، ولولا تسلط أهل الباطل على الحق ما ظهر أمره وفشا ذكره، فعاد مرادهم عليهم بالضد، وذلك من نكاية الرب، جل وعلا، بهم وكبته لهم، بمكان، ففيه من آيات الحكمة الربانية ما فيه، و:

إذا أراد الله نشر فضيلة ******* طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت ******* ما كان يعرف طيب عرف العود

وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولم يكن بعده رسول ولا من يجدد الدين لم يزل الله سبحانه وتعالى يقيم لتجديد الدين من الأسباب ما يكون مقتضيا لظهوره كما وعد به في الكتاب فيظهر به محاسن الإيمان ومحامده ويعرف به مساوئ الكفر ومفاسده.

ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير