تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلفظ "قوم" يشير إلى الرجال تغليبا، كما تقدم، وإنما جيء بلفظ القوم دون لفظ الرجال الصريح في الدلالة على معناه، لأن الغالب من حال العرب: سخرية الأقوام مجتمعين من بعضهم، فتسخر قبيلة فلان من قبيلة فلان، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك من تنبيه المخاطب بما قد اطرد من حاله، فذلك آكد في تقرير المعنى وتثبيت الحكم، وشاهد مجيء لفظ لقوم بمعنى الرجال قول زهير في البيت المعروف:

وما أدري وسوف أخال أدري ******* أقوم آلُ حصن أم نساء.

فقرينة التسوية بين طرفي "أم" في معرض الذم تدل على إرادة الرجال بلفظ: "قوم"، فمما يشان به الرجل أن يشتبه أمره على غيره فيتلبس بوصف المرأة في خُلقه الباطن أو خَلقه الظاهر، ولذلك جاء النص على لعن من تشبه من الرجال بالنساء والعكس، وذلك في الأحوال التي لا تذم، إذ هي من جملة العوائد الجبلية كالملبس ونحوه، فكيف بالمحرم من الغيبة والنميمة ..... إلخ، وهي أخلاق، باستقراء أحوال البشر، تكثر في النساء، وليس ذلك بمسوغ لها، وإنما قد غلب على حالهن لكثرة كلامهن، الوقوع في المحظور، فمن تشبه بهن من الرجال فقد استحق الذم من وجهين: من وجه ارتكابه المعصية، ومن وجه تشبهه بالنساء في خلق غير مرضي، قياسا على توجه الذم إليه بالتشبه بهن في خلق مرضي يختص بهن ولو على جهة الإباحة، فيحل لهن من اللباس ما لا يحل له، ويحل لهن من الزينة ما لا يحل له، لنقص فيهن لا يلمن عليه فهو من قبيل نقصان العقل والدين، فلا يلام جنس النساء على قلة العقل، وإن كان منهن من فاق أمما من الرجال في رجاحة العقل وسداد الرأي، فلا يلمن على قلة عقلهن فذلك أمر قد جبلن عليه، وقد أيده العلم الحديث فمخ المرأة وهو مستودع المعلومات التي تنشأ منها التصورات العلمية في العقول التي هي في القلوب، كما في قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)، وهو أمر قد أيده العلم الحديث، أيضا، على تفصيل في ذلك تقدم ذكره في موضع سابق، فاللوم يتوجه إلى المرأة إن أوقعها نقص العقل في المعصية على جهة الاختيار، فهو في حد ذاته، عارض كوني، يستدفع بالأمر الشرعي، كمن غضب، فذلك مما قد جبل البشر عليه فلا يمكن منعه، فلا لوم في مجرد وقوعه وإنما يتوجه اللوم إلى صاحبه إن أوقعه ذلك الغضب في الظلم والجور، فالعارض الكوني ليس محل ثواب أو عقاب لخروجه عن قدرة المكلف، وإنما يكون التكليف بالمقدور من مدافعته قدر الاستطاعة، ولا تلام النساء على نقص الدين، فالمانع الشرعي من حيض ونفاس أمر جبلي، ولا يلام الإنسان على العارض الجبلي فذلك مما قد كتبه الرب، جل وعلا، على بنات حواء، فليس لهن فيه خيار ليصح التكليف به دفعا أو رفعا، ..... إلخ، فإذا امتنع التشبه بهن في خلق جبلي لا يلمن عليه من لباس أو زينة، فامتناع التشبه بهن بخلق غير مرضي قد فشا فيهن بحكم العادة من سخرية أو غيبة أو نميمة، واجب من باب أولى، فذلك من صور قياس الأولى، وهو قياس صحيح في الأخبار والأحكام.

و: "من" في: "من قوم": تحتمل معان على القول بتوارد المعاني على مبنى واحد فذلك مما يثري السياق بجملة من المعاني، فتحتمل ابتداء الغاية، فابتداء غاية السخرية يكون ممن يسخر منه بداهة، وتحتمل السببية، فلا يسخر قوم بسبب حال قوم تدعو إلى السخرية من هيئة أو نحوه مما قد شاع بين الناس أنه منقصة، فلا يعير الإنسان بها سواء أكانت كونية، كقصر أو عرج أو نحوه، أم شرعية، فقد ورد النهي عن تعيير العاصي بمعصيته، وإن كانت سببا في بغضه حتى يقلع عنها، فالاحتساب بالإنكار شيء والتعيير بالمعصية شيء آخر، فالأول مشروع بل واجب أو مندوب، والثاني محظور بل محرم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير