تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلا ما خصه نص، ولولا أنهما تركا واجباً ما استحقا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والجواب أن هذين الحديثين لا يدلان على أن الأمر للوجوب. أمّا الحديث الأول وهو حديث ابن المعلى فإن هناك قرينة تدل على وجوب القيام به وهو كون أبي سعيد كان في الصلاة حين دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليه الصلاة والسلام كان يعرف حين دعاه أنه يصلي ومع ذلك دعاه لإجابته وترْك الصلاة، مما يدل على أنه الأمر للوجوب. وأيضاً فإن قوله تعالى: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) إنما كان محمولاً على وجوب إجابة النداء تعظيماً لله تعالى ولرسوله في إجابة دعائه ونفياً للإهانة عنه والتحقير له بالإعراض عن إجابة دعائه لِما فيه من هضمه في النفوس وإفضاء ذلك إلى الإخلال بمقصود البعثة. ولا يمتنع صرف الأمر إلى الوجوب بقرينة. فالحديث أفاد الوجوب بقرينة وليس لمجرد الأمر. فليس توبيخ الرسول له لأنه لم يقم بالفعل بل توبيخه له لأنه لم يقم بالفعل الذي أمره به أمراً جازماً. ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أوامر وبيّن أن القيام بالفعل الذي أمر به غير واجب. ففي أبي داود أن ابن مسعود جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فسمعه يقول: (اجلسوا)، فجلس بباب المسجد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (تعال يا عبدالله)، مما يدل على أن قيامه بالفعل الذي أُمر به ليس واجباً وهو يدل على أن الأمر ليس للوجوب. وسمع عبدالله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالطريق يقول: (اجلسوا)، فجلس بالطريق، فمرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق فقال: (ما شأنك)؟ فقال: سمعتك تقول: (اجلسوا). فقال: (زادك الله طاعة). فالرسول صلى الله عليه وسلم استغرب جلوسه مما يدل على أن أمر الرسول ذلك لم يكن جازماً.

وأما الحديث الثاني وهو حديث الرجلين، فإن هناك قرينة تدل على إثم المخالف وهي كون الماء في عين تبوك قليلاً ودل على ذلك لفظ الحديث من قوله: (والعين مثل الشراك) أي رفيعة جداً، وقوله: (تبضّ بشيء من الماء) أي تسيل قليلاً قليلاً، وهو ما يقال عنه بأنها "تنز الماء"، فهذا يدل على أن أمر الرسول كان جازماً، فاستحقا السب لمخالفته. وأيضاً فإن شرب الماء مباح، فكون الرسول يَنهى عن شرب الماء من تلك العين في ذلك الوقت معناه منعٌ لمباح، وهو قرينة على أن الطلب جازم لأنه نهي عن مباح. على أن هذا الحديث ليس أمراً وإنما هو نهي، فهو لا يدل على الوجوب وإنما يدل على التحريم لقرينة مع طلب الترك.

ومن هذا كله يتبين أن الشبهة التي جاءت من وجوب طاعة أمر الرسول وفُهم منها أن وجوب طاعته معناه أن صيغة الأمر للوجوب شبهة ساقطة لأن طاعة الأمر غير صيغة الأمر. فأمْر الله واجب الطاعة ولكن هذا الأمر عُبّر عنه بألفاظ لها دلالة لغوية فيُفهم نوع الأمر من دلالة هذه الألفاظ فيقام به كما أمر، ودلالة الألفاظ تؤخذ من اللغة. فالمسألة فهم صيغة الأمر وليست المسألة طاعة الأمر ومعصيته، وأيضاً شبهة أن الشارع أمَرَنا بأن نحكّم الشرع وحرّم مخالفته ساقطة، لأن التقيد بالشريعة غير فهم صيغة الأمر من النصوص الشرعية، وكذلك الشبهة التي جاءت من أن الحديثين حديث المعلى وحديث عين تبوك يدلان على أن الأمر للوجوب ساقطة، لأن الأمر فيهما دل على الوجوب لا من الصيغة وإنما بقرينة دلت عليه. ومتى سقطت هذه الشبهات لا تبقى حجة لمن يقول إن الأمر حقيقة في الوجوب

ـ[عبود]ــــــــ[28 - 06 - 2010, 05:52 م]ـ

مشكور

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير