تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تعظيما، وساغ الابتداء به لكونه دعاء، فسلام من الآفات وسلام من الذنوب والآثام، وسلام من العذاب فذلك من تمام المنة الربانية على المؤمنين فالتنكير مئنة من العموم، أيضا، فلهم جميع أنواع السلام، من السلام، جل وعلا، فهو السالم من النقص فلا يعتريه من الآفات ما يعتري الخلق، فله، جل وعلا، كمال الذات وكمال الوصف، فهو السالم من النقص، فذلك من الاحتراز المراد لغيره، فله كمال ضده من الوصف اللائق بجلاله، فبراءته من النقص مئنة من اتصافه بالكمال المطلق اللائق بجلاله، وهذا أصل في هذا الباب الجليل، فإن النفي فيه غير مراد لذاته، بل هو من المراد لغيره، فحسن فيه الإجمال، إلا في مواضع يحسن فيها الرد على شبهة، أو إبطال مقالة سوء بعينها قيلت في حقه، جل وعلا، كمقالة التولد التي افتراها من افتراها من المثلثة عباد الصلبان، فجاء الرد مفصلا: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، و: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، فهذا الإجمال في مقابل التفصيل في بيان ضده من وصف الكمال اللائق بجلال الرب، جل وعلا، فهو المراد لذاته في هذا الباب، فهذا معنى السلام اللازم، وهو المسلم لغيره، تبارك وتعالى، من شؤم الذنوب وآفات الأبدان وسوء المنقلب ومصارع السوء وعذاب الخلد ......... إلخ من المهالك التي لا ينجي منها إلا الرب، جل وعلا، فمن شاء أنجاه فضلا، ومن شاء أهلكه عدلا، ثم جاء التذييل بالدعاء، فـ: "طِبْتُمْ"، فذلك من الخبر الذي أريد به الإنشاء، فتأويله: أطابكم الرب، جل وعلا، بتنقية القلوب من درن المعاصي وانتزاع الغل منها فـ: (نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ)، فتلك من أوصاف فعله، جل وعلا، فيطيب القلوب في الدنيا بذكره، فهو مادة الطمأنينة، ويطيب القلوب في الآخرة بانتزاع مادة الفساد والغل منها، فتصير على وصف يليق بسكنى الجنان وجوار الرحمن، جل وعلا، ويطيب الأبدان في الدنيا فتسلم من الآفات ابتداء، وتحري الحلال الطيب أصل في سلامة القلوب والأبدان في دار ما أكثر آفاتها، وما أعظم أدواءها إلا أن يشاء الرب، جل وعلا، السلامة منها، فهو السلام المسلم منها، أو يسلمها بشفائها من الأدواء، إن قدر وقوعها، فذلك من عدله، جل وعلا، بل من رحمته لمن فقه حكمة الابتلاء بالأسقام والأوجاع فصيرها ذريعة إلى التوبة والاستغفار، وتلك معان تقال في أزمنة القوة والسلامة، فكل صاحب دعوى عريضة، فإذا وقع الابتلاء، وسؤال الرب جل وعلا السلامة منه وعدم التعرض لأسبابه أو التبجح بطلبه إظهارا للقوة! كل أولئك من كمال فقه العبد فلا يتمنى الابتلاء إلا مغرور ولا يسأل اللله عز وجل النجاة منه فضلا والثبات إذا ما وقع عدلا إلا من أوتي علما وحكمة فإنه لا يصمد لابتلاء الرب جل وعلا أحد إلا من شاء تبارك وتعالى تثبيته ولا يكون ذلك إلا لأصحاب الديانة الذين عرفوه في زمان السلامة فنظر إليهم في زمان الآفة فإذا ما وقع الابتلاء تبين من بكى ممن تباكى وظهر أصل كل دعوى أذهبا كانت أم خزفا، فإطابته، جل وعلا، لعباده تكون في الدارين: فيطيب القلوب بالذكر والأبدان بأكل الحلال الطيب، ويطيب القلوب في الآخرة بالأمن والأبدان بالسلامة من كل آفة، فيا: "أهل الجنة! خلود فلا موت"، في أكمل حياة وأعظم نعيم فهو على رسم التأبيد فلا يخشى صاحبه زواله أو الزوال عنه، كما يخشى ملك النعيم المستعار في دار الابتلاء، ومع دلالة الخبر الإنشائية فإنه يحتمل الدلالة الإخبارية الأصلية، فذلك إخبار من الملائكة بما أعد لأصحاب الجنة من صور التكريم فطبتم باطنا وظاهرا فأنتم أهل لتلك المنة الربانية التي لا ينالها إلا من طهر قلبه من أسباب الفساد وطهر بدنه من أسباب الفناء، ويحتمل الدعاء بالإطابة وجها آخر يتعلق بالحال، فطبتم نفسا، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فالتقدير الأول يتعلق بأعيان أهل الجنة، فطبتم قلوبا وأبدانا، والتقدير الثاني يتعلق بأحوالهم، فإن إطابة النفوس حال معنوية، بخلاف إطابة الأبدان فهي حال مادية،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير