الذي أراه أخي الكريم أن الفعل أنذر يتعدى بنفسه لمفعولين دائما، ولكن قد يصرح بالمفعولين وقد يحذف أحدهما أو كلاهما اختصارا أو اقتصارا.
وأما الباء في نحو (لأنذركم به) فليست للتعدية بل للاستعانة، والمفعول يه الثاني محذوف، والتقدير العذاب أو العقوبة، ويجوز في غير القرآن أن تقول لينذركم به العذاب، فتصرح بالمفعولين في وجود الباء.
والباء تكون للتعدية في نحو (ذهب الله بنورهم) بمعنى أذهب حيث يصح إيقاع الفعل على المجرور بالباء، ونحو (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) أي جعل بعضهم يدفع بعضا، كأنه قيل (أدفع) بعضهم بعضا.
أما أنذركم به فلا يقع الفعل على ما بعد الباء لو عديته، وإنما دل على الاستعانة بما دخلت عليه الباء في إيقاع الفعل، ككتبت بالقلم تعني استعنت بالقلم في الكتابة لا جعلت القلم يكتب. بمعنى أن أنذرتكم بالقرآن لا تعني جعلت القرآن ينذر بل أستعين به لأنذركم. والله أعلم.
ومما جاء في القرآن من أنذر محذوفا مفعوله الثاني بغير مصحوب بالباء، تمثيلا لا حصرا:
" .... سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون."
" ... ولتنذر أم القرى ومن حولها .... "
" .... على رجل منكم لينذركم .... "
" .... ولينذروا قومهم ..... "
". وأنذر عشيرتك الأقربين."
وجاء محذوف المفعولين في قوله تعالى: " قم فأنذر " أي أنذر الناس عاقبة الكفر والله أعلم.
خلاصة القول أن الفعل أنذر يتعدى لمفعولين بنفسه، قد يصرح بهما أو بأحدهما أو يحذفان على ما تقتضيه بلاغة المتكلم، فإن كان المنذر به معلوما، حذف المفعول الثاني اختصارا، ولإن أريد إبهامه للترهيب مثلا حذف المفعول الثاني كذلك اقتصارا، وإن علم المنذَر حذف المفعول الأول اختصارا ... وهكذا.
وأما الباء التي تليه فقد تكون للاستعانة كما في (لينذركم به)، وقد تكون للظرفية كما في " واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ... " وغير ذلك.
أما القول بأنه تضمن معنى أخبر فعومل مثله، فالفعل أنذر لا ينفك عن معنى الإخبار، فكل منذر مخبر بكيفية ما. وإذا كان معنى الإخبار ملازما عليه لا طارئا فذلك لا يعد مبررا لخروجه عن حكمه وهو التعدي لمفعولين بنفسه.
أما ما شاع من نحو (أنذرته المحكمة بالطرد) و (أنذرته المؤسسة بالفصل) ونحو ذلك فهذا إن صح لغة فيكون من باب التضمين؛ ضمن معنى هدد أو أوعد، والتهديد والوعيد فيهما معنى زائد عن الإخبار والإنذار، فيصح التضمين استعمالا إن صح لغة. ولا يسوغ حمل ينذر على يهدد في قوله (لينذركم به).
هذا والله أعلم، وإن أصبت فالحمد لله وإن أخطأت فأستغفر الله.
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 01:29 ص]ـ
أشكركما أخوي أبا مليكة وأبا سهيل, وبحمد الله قد جمعت في باب (تعدية الافعال على أكثر من وجه في القران الكريم) أكثر من ستين فعلا ودرستها في أكثر من مائة صفحة, أسأل الله أن ييسر إخراجها, وسوف أعرضها في منتدى البلاغة في الأيام المقبلة بعون الله على حسب الطاقة
وأشكر الأخ عطوان ولا حرمنا الله ملاحظاتكم
وما ذكرته أخي عطوان هو عين الحقيقة في المسألة
لكن بقي أن يقال ما العلة في أنه إذا جاء الإنذار بالقرآن لم يذكر معه شيء من العذاب
وكذلك إذا ذكر العذاب لم يذكر معه الإنذار بالقرآن
فأنا أخذته من هذا الوجه
وأما الباء فهي لا شك أنها للاستعانة, ولكن رأيت جمعا من المفسرين يطلقون على كل شيء من التعلق إذا كان حرف جر تعدية, ولا شك أن الجار والمجرور في قولنا أنذرتك به متعلق بالفعل أنذر
فيقولون في نحو قوله تعالى {اقرأ باسم ربك} عدي الفعل اقرأ بالباء, مع أنها في الدرس النحوي يقال هي للاستعانة وليست للتعدية
ـ[**ينابيع الهدى**]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 01:42 ص]ـ
أستاذنا الفاضل بندر
جزاكم الله خير الجزاء على هذه الفائدة الجميلة
سررت بما قرأته هنا.
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 02:37 ص]ـ
أستاذنا الفاضل بندر
جزاكم الله خير الجزاء على هذه الفائدة الجميلة
سررت بما قرأته هنا.
بارك الله فيك أختي, كذلك سررت باستفادتكم منها
ـ[عطوان عويضة]ــــــــ[30 - 07 - 2010, 03:49 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خيرا أخي بندر ونفع بك وأعانك على خدمة كتابه.
لكن بقي أن يقال ما العلة في أنه إذا جاء الإنذار بالقرآن لم يذكر معه شيء من العذاب
ربما - والله أعلم بمراده - يكون ذكر وسيلة الإنذار (القرآن) وإبهام العقوبة المنذر بها أدعى للاستماع للقرآن وقراءته وتدبره لمعرفة ما أبهم عليهم، لأن النفس أشغف بمعرفة ما تجهل، فيكون ذلك سببا في هدايتهم، كما أن التوعد بمبهم أشغل للفكر وأرهب للنفس من التصريح به. وربما لم يذكر للعلم به إجمالا وهو عذاب الآخرة.
ولكن رأيت جمعا من المفسرين يطلقون على كل شيء من التعلق إذا كان حرف جر تعدية, ولا شك أن الجار والمجرور في قولنا أنذرتك به متعلق بالفعل أنذر
فيقولون في نحو قوله تعالى {اقرأ باسم ربك} عدي الفعل اقرأ بالباء, مع أنها في الدرس النحوي يقال هي للاستعانة وليست للتعدية
التعدية نوعان: تعدية خاصة، ويقصد بها جعل الفاعل مفعولا به أو بمعنى المفعول به بزيادة شيء على الفعل كالهمزة والتضعيف والباء.
وتعدية عامة، والمراد بها إيصال معنى الفعل إلى الاسم، وتكون بكل حروف الجر.
ويتحدد معنى التعدية المراد من السياق.
أما في قوله تعالى (اقرأ باسم ربك) فيجوز أن يكون المراد بالتعدية التعدية العامة، أي مستعينا باسم ربك، وقد يكون المراد أن الفعل في معنى المتعدي أي اقرأ اسم ربك، فتكون الباء زائدة أو جيء بها لبيان مصاحبتها الاسم الكريم تنبيها على أن نقول في التسمية (باسم الله) لا (اسم الله).
والله تعالى أعلم
¥