تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيه قدم في أمر الدنيا بداهة.

ثُمَّ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ: فحذف الفاعل للعلم به، فقد كانت خلافة شورى يوم السقيفة، كما تقدم، فاستخلفه المسلمون، وإن لم ينص على ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأشار إليه بتقديمه في الصلاة، فذلك ترشيح غير ملزم، ولم يعين صلى الله عليه وعلى آله وسلم خليفته، على الراجح من أقوال أهل العلم، لا بنص جلي ولا خفي، لئلا يحرج على أمته، فيظن الناس أن هذا الخليفة معصوم عصمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو الذي استخلفه وأمر المسلمين ببيعته، أو يظنوا حصر اختيار الخلفاء في طريقة بعينها قد لا تلائم كل حال، فالأحوال تتبدل في المسائل المصلحية التي أرسلها الشارع، جل وعلا، فلم يشهد لها باعتبار أو إلغاء، فاختيار الخليفة واجب على الأمة لئلا تنكسر الشوكة، كما هي الحال في زماننا، وقد شغر الزمان عن إمام جامع لكلمة المسلمين، فذلك القدر الذي اعتبره الشارع، عز وجل، فأوجبه، على سبيل الكفاية في حق الأمة، وعلى سبيل التعيين في حق أهل الحل والعقد فيلزمهم ما لا يلزم آحاد المسلمين من وجوب اختيار إمام للمسلمين، وأما طريقة الاختيار فلا تتعين، بل كل طريقة حصل بها الرضا المعتبر شرعا، فهو مناط الحكم ووصفه المؤثر، ولم تخالف نصا من نصوص الدين أو قاعدة من قواعده الكلية، فلا حرج فيها، وذلك من يسر الشريعة ومرونتها لتلائم سائر الأعصار والأمصار، فلها ثوابت لا تتبدل، ولها متغيرات تخضع لما يستجد من الأعراف، فالثابت في هذه المسألة، وهي من مسائل السياسة الشرعية: وجوب نصب الأئمة والولاة صيانة للدين وسياسة للدنيا به، فهي مما يراد إرادة الوسائل إلى مقصد جليل هو إقامة أمر الدين مهيمنا على أمر الدنيا لا مرذولا معزولا عن النظر في الشأن الخاص والعام كما هي حال دين الكنيسة قبل العلمانية لما تقاسمت السلطة مع الدولة فجعلت لنفسها السلطة الدينية برسم الطغيان، وجعلت للدولة السلطة الزمنية برسم الظلم والعدوان، فأعط ما لله لله وأعط ما لقيصر لقيصر، فذلك فصام نكد يقع به التناقض الصريح بين الدين والدنيا، فالعداء بينهما قد بذر، ثم نما وأثمر علمانية معاصرة، ضج فيها العقلاء من طغيان الكنيسة الروحي وظلم الأباطرة الذي سكتت عنه الكنيسة بل أيدته في تآمر مكشوف، فسكنت الناس بأحلام الخلاص ودخول الملكوت، فصارت ديانة الكنيسة تحديدا أفيون الشعوب، فقد صدقت مقالة الشيوعيين على تلك الديانة المبدلة التي كرست الظلم وجعلت السكوت عنه والرضا به مقاما شريفا!، فتمادى المفسدون في الفساد تحت غطاء شرعي، حظي أصحابه بنصيب عظيم من كعكة الإقطاع والسخرة، فكانت الكنيسة مؤسسة تضارع مؤسسة الحكم في نفوذها ومصادر دخلها، بل قد زادت عليها في أحيان كثيرة، فانتصرت الكنيسة على الدولة في صراعات عديدة، كما هي حال الكنيسة في بعض أمصار المسلمين في مقابل دولة علمانية تتدعي في تجمل مكشوف أنها مدنية تحفظ لمواطنيها حرياتهم العامة بما فيها حرية المعتقد التي تعني حرية الردة عن دين الإسلام، لا الدخول فيه فذلك مما يغضب رءوس الضلالة، وأجبرتها على الرضوخ لمطالبها الجائرة، وإلا وقع الحرمان على ملوك بل شعوب بأسرها، فسوط الحرمان الكنسي قد جلد ظهور العامة والخاصة، فمن نطق بكلمة احتجاج ولو كانت حقا، فمآله إلى الحرمان، فلا دخول إلى الملكوت إلا عن طريق رجال الكهنوت، وتلك صورة من أبشع صور الطغيان الروحي الذي تمتاز به كل ملة أو نحلة باطلة، فلا بد أن يمارس رءوس الضلالة صنوفا من الإرهاب الفكري والجسدي، إن استدعى الأمر!، لقهر قلوب وعقول الأتباع التي تلح عليها جملة من المطالب العقلية الصحيحة عن سر هذه الهيمنة المطلقة على الأرواح والأبدان باسم الديانة، وليس لأولئك من خصائص تزيد عن خصائص عامة البشر فعلام هذا الطغيان؟!، ومن أعطى أولئك تلك الامتيازات التي لم تعط للأنبياء صفوة الخلق، فـ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)، و: "لا تُطْرُوني كما أَطْرَت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله"، ولا زال شعب الكنيسة في الدول التي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير