تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم يزل رءوس الكهنوت فيها أربابا تعبد!، لا زال يخضع لنواب المسيح عليه السلام، فلهم من حقوق التحلة والتبديل في الشريعة إباحة وحظرا، ما لا تقدر السماء على وقف تنفيذه!، فما عقد في الأرض لا يحل في السماء، وما حل في الأرض ولو كان إبطالا لأحكام الديانة أصولا أو فروعا فلا يعقد في السماء مرة أخرى، فقد استتر أولئك الطواغيت بتلك النيابة الجائرة الباطلة نقلا وعقلا، ليمارسوا ما شاءوا من شهوة التسلط على أتباعهم الذين رضخوا لهم تحت تأثير مخدر الخلاص، فذلك أفيون ديانة الكنيسة الذي تذرع به الشيوعيون في حربهم الشعواء على الدين، فلم يفرقوا بين دين محرف وآخر محفوظ يكفل للإنسان آدميته، ولم يكن عندهم من الإخلاص والتجرد ما يوقفهم على حقائق الدين الخاتم في مقابل حقائق الدين الكنسي المحرف، بل لو علموها لأنكروها واشتدوا في حربها فهم أعداء الدين جملة وتفصيلا، وأصولهم الفكرية ذات صبغة يهودية، ويهود أعداء النوع الإنساني عموما، وأصحاب الكتب السماوية ولو محرفة خصوصا، فأفسدوا دين النصارى ابتداء زمن شاءول ثم قضوا على آثاره الباهتة بثورات علمانية وشيوعية أحالته إلى التقاعد!، ثم صدرت تلك المذاهب الهدامة إلى العالم الإسلامي فلاقت رواجا في أزمنة الغيبوبة لا سيما بعد سقوط دولة الخلافة وذيوع النعرات القومية والطائفية، ولكنها لم تنجح فيما نجحت فيه في أوروبا، فبقي الدين محفوظا، وإن ضيق على أتباعه تضييقا لا زال المسلمون يعانون منه إلى يومنا هذا، على تفاوت، فلكل مصر من أمصار المسلمين منه نصيب قل أو كثر، فبقدر ظهور آثار النبوات تتراجع صور التضييق، وبقدر دروسها تتقدم صور التضييق فتعلو أسهم العلمانية وسائر المقالات الردية، بل وتكاد الشعائر الرئيسة للديانة تعطل، في تقليد مذموم لبدعة الأتاتوركية التي صارت نموذجا يحتذى لكثير من العلمانيات البائدة والباقية، والماضي والحاضر خير شاهد على هذا الصراع المحتدم بين النبوات وأضدادها من المقالات، فهما نقيضان يتدافعان، فلا يجتمعان ولا يرتفعان من محل واحد، بل متى ظهر أحدهما خفي الآخر لزوما، وتلك سنة ربانية نافذة، حتى يكون الظهور الأخير للنبوات كما قد بشر بذلك النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِى بَكْرٍ: فذلك من التعظيم لشأن الصديق، رضي الله عنه، بالخبر الذي أريد به إنشاء الدعاء بنزول الرحمات الربانية عليه، فضلا عن إظهار اسمه، وحقه الإضمار، فقد تقدم ذكره قريبا فأغنت الإشارة إليه بالإضمار عن إعادة ذكره، ولكن الإظهار في هذا الموضع أبلغ في تعظيم من هو أهل للتعظيم فذلك من إنزال الناس منازلهم، وهو أدب رفيع يليق بأمير المؤمنين علي رضي الله عنه.

فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ: فأقام غيره فذلك من التعدية إلى الغير بالهمزة، واستقام، فذلك من اللزوم في نفسه مزيدا بالألف والسين والتاء فهي مئنة من الطلب والحرص على سلوك سبيل الرشاد، فخيره في نفسه لازم، وإلى غيره متعد فهو الخليفة المطاع، فيجب له من السمع والطاعة في المعروف ما لا يجب لغيره.

ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ: فحذف الفاعل، أيضا، للعلم به، فقد استخلفه الصديق، رضي الله عنه، فتلك صورة اخرى من صور الاستخلاف، ولكنه لم يصدر في ذلك عن رأيه بل استشار كبار الصحابة من أهل الشورى، رضي الله عنهم، ثم حصل الإجماع على بيعته، فالوصف المؤثر، وهو الرضا العام، لا سيما من أهل الحل والعقد، قد تحقق في هذه الصورة أيضا، مع اختلافها عن صورة يوم السقيفة، فثبت أن الوصف المؤثر في حالة الاختيار هو: وقوع الرضا العام عن الخليفة المنتخب، ولا يلزم من ذلك الاستيعاب، بل يكفي في البيعة الخاصة التي يثبت بها عقد الولاية، يكفي فيها إجماع أهل الحل والعقد أو أكثرهم، فهم الأغلبية، في مسألة يسوغ فيها الاجتهاد ويتصور فيها وقوع الخلاف، فليست آلية الاختيار من الثوابت، كما تقدم، وإنما هي من قبيل المصلحة المرسلة التي ينظر فيها إلى وجه تحقق المصلحة أيا كان ما لم يخالف نصا أو أصلا مجمعا عليه، ولذلك صحت بيعة عثمان، رضي الله عنه، فقد تحقق لها الإجماع العام، فالوصف المؤثر فيها، أيضا، قد تحقق، وإن اختلفت الآلية، أيضا، فقد جمعت بين الاستخلاف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير