تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نازع الشر النفساني فهو مؤثر داخلي، فلا مؤاخذة على حديث النفس إلا إن انتقل من دائرة الخواطر العابرة إلى دائرة الإرادات الجازمة، فيتعلق به الثواب والعقاب وإن لم يقع الفعل في الخارج فمن هم بحسنة كتبت له حسنة، فقد هم بها جزما، لولا ورود المانع الكوني، ومن هم بسيئة فإن تركها لله، كتبت حسنة، وإن تركها لعارض كوني لم تكتب شيئا، وإن عقد النية الجازمة على اقترافها فعجز عن ذلك لمانع خارجي كتبت له سيئة، فالجازم في حكم الفاعل في أحكام الثواب والعقاب الأخروي، وإن لم يكن في حكمه في أحكام الثواب والعقاب الدنيوي.

بين إصبعين من أصابع الرحمان كقلب واحد: فتلك كناية عن كمال تصرفه، جل وعلا، في القلوب إقامة أو إزاغة، فمن شاء أقامه فضلا، ومن شاء أزاغه عدلا، ولا يلزم من التكنية بالأصابع، نفي حقيقتها الثابتة لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، بلا قياس تمثيل أو شمول، فهي من صفاته الذاتية الخبرية، فلا يستقل العقل بإثباتها، بل ذلك من الجائز، فلا يوجبه العقل ولا يمنعه إلا إن وقع في قياس التمثيل أو الشمول فقاس وصف الرب، جل وعلا، على وصف عباده، فنفرت نفسه من هذا الإلزام العقلي الباطل الذي ألزم به نفسه، وليس بلازم!، فلا يمنع العقل شيئا ثابتا في هذا الباب بنص صريح إلا أن خاض فيه بقياس عقلي باطل، فلا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح الذي يثبت الوصف لكل موجود على وجه يليق بذاته، فيثبت أوصاف الرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بذاته القدسية، ويثبت أوصاف المخلوق على الوجه اللائق بذاته الأرضية، فالوصف فرع، والذات أصل، وللفرع حكم أصله بداهة، فكما انتفت الشراكة في الحقيقة بين ذات الرب، جل وعلا، وذوات العباد، وإن جمعها كلها اسم ومعنى الذات الكلي المطلق، فذلك معنى ذهني لا يلزم من إثباته تشبيه إذ لا يمنع تصوره في الذهن وقوع الشركة فيه على وجه لا يلزم منه وقوع الشركة في الخارج، فكما انتفت الشراكة في الذوات، انتفت، أيضا، في الأوصاف، لزوما، فهي الفرع الذي يأخذ حكم أصله، كما تقدم، فلا يلزم، أيضا، من اشتراكها في الأسماء والمعاني الكلية المطلقة اشتراكها في الحقائق الخارجية، بل لكل موصوف: وصف يليق بذاته، والشاهد أن وصف الأصابع من: الجائز العقلي، فلا يوجبه العقل ولا يمنعه، فإذا أثبته النص الصحيح: سلم العقل له فهو التابع المقلد في باب الغيب، والرب، جل وعلا، ذاتا وصفات، أعظم الغيوب، فلا يدرك العقل كنه ذاته القدسية أو صفاته العلية، وإن أدرك معانيها الكلية فبالإيمان بها تعلق التكليف الشرعي دون خوض في كنه أو كيف.

وإذا كان المراد في هذا الحديث: المعنى الكنائي أصالة، دون نفي للمعنى الحقيقي، كما اطرد في كلام البلاغيين في حد الكناية، إذا كان ذلك هو المراد في هذا الحديث، فإن المعنى الحقيقي قد أريد في نصوص أخر من قبيل حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى ذِهْ وَالْأَرْضَ عَلَى ذِهْ وَالْمَاءَ عَلَى ذِهْ وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهْ وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى ذِهْ وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ بِخِنْصَرِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تَابَعَ حَتَّى بَلَغَ الْإِبْهَامَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ"، وفي رواية عند ابن أبي عاصم، رحمه الله، في "السنة": "قال أبو بكر: قلت لأبي الربيع: فضحك تصديقا؟ قال: نعم ثنا محمد بن المثنى، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا سفيان بن سعيد، حدثني منصور، وسليمان الأعمش، عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. قال يحيى: وكان فضيل بن عياض يزيد فيه عن منصور: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقا لقول الحبر؟ قال: نعم"، وفي رواية عند ابن منده، رحمه الله، في "كتاب التوحيد" حديث: 510، ص361: "قال يحيى بن سعيد: وزاد فضيل ابن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير