تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تعجبا وتصديقا له فليس في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو فعله أو تقريره: قياس تشبيه، بل ذلك من جنس ما روى سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا، وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ قُلْتُ، (أي الحافظ البيهقي، رحمه الله، في "الأسماء والصفات"): وَالْمُرَادُ بِالإِشَارَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْقِيقُ الْوَصْفِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالسَّمْعِ.

فالمراد: توكيد إثبات الوصف على جهة الحقيقة رفعا لاحتمال المجاز الذي تعلق به مؤولة الصفات، فهي صفات حقيقية ثابتة للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فمعانيها الكلية من جنس معاني الصفات التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يلزم من ذلك، كما تقدم، الاشتراك في الحقائق الخارجية التي تتبع الذات كمالا أو نقصانا، فللرب، جل وعلا، منها أكمل وصف، فهو اللائق بذاته القدسية، وللعبد منها ما يليق بذاته الأرضية.

فهي بين إصبعين من أصابع الرحمان كقلب واحد: فذلك تشبيه مرسل ذكر فيه المشبه به والمشبه وأداة التشبيه، فهي كقلب واحد، وذلك، أيضا، مئنة من كمال تصرفه، عز وجل، فيها، فهي عنده كقلب واحد، فكما يسمع العباد جميعا، ويرزقهم جميعا، ويحاسبهم جميعا، ويبعثهم جميعا: فـ: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، يقلب قلوبهم جميعا بأمره الكوني النافذ، فلا تصدر حركة إرادية باطنة أو فعلية ظاهرة إلا بمشيئته، جل وعلا، فيقلب القلوب أصلا والجوارح تبعا في أجناس الإرادات والأقوال والأفعال، صلاحا بفضله، أو فسادا بعدله، فهو خالق الخير والشر معا، فالأول مراد لذاته يوافق الإرادة الشرعية الحاكمة والإرادة الكونية النافذة، والثاني مراد لغيره يخالف الشرع وإن وافق القدر، فلا شيء، كما تقدم، من السكنات أو الحركات، دقت أو جلت، إلا وقد علمه الرب، جل وعلا، أزلا، وكتبه جزما في كتاب عنده فـ: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، فما فرطنا في الأرزاق أو الهيئات أو الأخلاق أو الأفعال أو الأقوال من شيء، فتسلط النفي على النكرة في سياق مؤكد بزيادة: "من" التي تفيد التنصيص على العموم، تسلط النفي على النكرة على هذا الوجه: مئنة من العموم فلا يخرج شيء في الكون عن مشيئته، جل وعلا، ثم أخرجه جل وعلا إلى عالم الشهادة خلقا بإرادته النافذة، فالمخلوق: ذاتا أو معنى، لا يخرج عن علم وقدرة خالقه، جل وعلا، ولا يكون خلقه إلا لحكمة ظاهرة، كما في خلق الخير، أو آجلة كما في خلق الشر، فبه يستخرج، جل وعلا، بحكمته البالغة، من الخير العظيم ما يفوق مفسدته العاجلة، وتلك عين الحكمة التي اتصف الرب، جل وعلا، بها وجوبا نقليا وعقليا، فالخالق المدبر لا يكون إلا عليما بخلقه، قديرا على إيجاده حكيما في تدبيره.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يصرفها كيف يشاء: قيد رافع لإجمال التشبيه، فحسن الفصل لشبه كمال الاتصال بين المجمل ومبينه، فوجه الشبه قد لا يظهر لكل مخاطب، فيتولد في ذهنه التساؤل عنه، فيأتي الجواب على جهة التذييل المبين، أو وجه الشبه، إن صح جعل هذا القيد وجه الشبه، فيكون التشبيه مرسلا مفصلا، وتلك أظهر صور التشبيه، فلا إجمال فيها لاكتمال أركانه والتعقيب بذكر وجه الشبه، وقد يقال بأن هذه الجملة خبر ثان، ورد عقيب الخبر الأول إمعانا في البيان، كما تقدم، وحسن الفصل، أيضا، للتلازم الوثيق بين المبتدأ والخبر، وإن تعدد، فلعل ذلك مئنة من كونه: أبلغ في توكيد المعنى من الوصل بالعاطف، فقولك: محمد شاعر كاتب، أبلغ في إثبات المعاني التي دلت عليها الأخبار: "شاعر و: "كاتب"، من قولك: محمد كاتب وشاعر،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير