تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالفصل، ولو بالواو التي تفيد مطلق التشريك، نوع تراخ في إثبات المعنى، فلا يستوي والسياق الذي تذكر فيه المعاني متعاقبة بلا وصل، فتتابع المعاني بلا فواصل من عواطف رابطة للألفاظ: آكد في تقرير المعاني وإثباتها، وقد قال بعض أهل العلم باستواء الوجهين فجعل العطف من قبيل تعدد الأخبار، أيضا، فهو عنده على ضربين: ضرب ترد فيه الأخبار متعاقبة بلا عاطف، وآخر ترد فيه متعاقبة موصولة بالعاطف الذي يفيد الاشتراك في حكم الإسناد إلى المبتدأ.

وقد يقال بأن ذلك من قبيل: التقييد بالحال، فيكون قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يصرفها كيف يشاء": حالا مقيدة، فتقدير الكلام: إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن حال كونه يقلبها كيف يشاء، ولا تنفك القلوب عن التقليب، بل قد اشتق اسمها من مادته فهي سريعة التقلب لا تثبت على حال إلا أن يثبتها الرب، جل وعلا، فتغلي غلي المراجل وتتقلب تقلب القدور، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن دوما، فالمضارعة في: "يصرفها": مئنة من التجدد والاستمرار، فيحدث الرب، جل وعلا، من تصاريفه الكونية للقلوب ما يشاء، فذلك من وصفه الفعلي المتجدد، فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فيهدي ضالا بفضله، ويضل مهديا بعدله، ويغني فقيرا، ويفقر غنيا ..... إلخ من التصاريف الكونية التي تتقلب فيها البرية، فالكون، خاضع لأمر خالقه، جل وعلا، فلا يخرج شيء منه عن تصريفه الكوني النافذ.

ثم ذيل صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدعاء: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، فضمن فعل الدعاء "صرف" معنى الفعل: "اصرف" أو "وجه"، وفي رواية أخرى جاء الفعل على وجهه متعديا بـ: "على" فـ: "يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ" فلا تضمين: فالرب، جل وعلا، مصرف القلوب، فذلك من أسمائه المقيدة الدالة على وصف فعل كوني ثابت له على جهة التجدد، فيتعلق بمشيئته الكونية النافذة، وذلك وجه الإتيان باسم الفاعل، فدلالته الزمانية من دلالة مضارعه، وإن كان أضعف في العمل، فليس اسمه: "مصرف القلوب": اسما مطلقا ليصح التسمي به على جهة التعبيد، بل هو، كما تقدم، من أسمائه المقيدة الدالة على كمال مشيئته، ففعل التصريف مئنة من كمال القدرة والعلم والحكمة، كما تقدم، فصدر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدعاء بإثبات وصف التصريف المطلق للرب، جل وعلا، فذلك من دعاء الثناء بين يدي دعاء المسألة الذي جاء مقيدا بتصريف قلبه على الطاعة، فيا مصرف القلوب بأمرك الكوني النافذ: صرف قلبي على أمرك الشرعي الحاكم فلا يكون إلا طاعة، فذلك من التوطئة بوصف الربوبية تذرعا إلى حكم الألوهية على ما اطرد من التلازم الوثيق بينهما، وبين الوصف: "مصرف"، وفعل الدعاء: "صرف": جناس اشتقاقي فمادتهما واحدة، وذلك آكد في بيان المعنى بظهور العلاقة الوثيقة بين وصف الرب، جل وعلا، وما يطلبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو أثر من آثار ذلك الوصف الجليل.

وفي هذه الأيام الفاضلة خصوصا، وفي هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن عموما، لا يجد الإنسان خيرا من هذا الدعاء زادا يتقوى به على مدافعة الشبهات والشهوات، فكم تقلبت قلوب كان ظاهرها الصلاح، علم الرب، جل وعلا، فيها بعلمه المحيط: مادة فساد خفية، فاستخرجها بمكره، فهو خير الماكرين، فظهر عوار صاحبها، فبالفتنة تستخرج مكنونات النفوس، وليس زمان السلامة والقوة الذي يدعي كلٌ فيه الإيمان، كزمان الابتلاء والضعف الذي تزل فيه أقدام فـ: "يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا"، وما أكثر من باع دينه في زماننا استرضاء لكافر أو مارق من الديانة، أو طمعا فيما عنده من لعاعة هذه الدار، وما أكثر من خذل المؤمنين في زماننا وأسلمهم إلى الكافرين طمعا في رضاهم، ولن يرضوا!، فذلك خبر الوحي الصحيح، فـ: (لَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، فالقلوب عموما: متقلبة، وفي أزمنة الفتن تصير: أشد تقلبا، ولا يأمن الفتنة على نفسه إلا جاهل، والجهل سبب رئيس في السقوط في الشبهات التي قد تأتي على أصل الديانة دون أن يشعر صاحبها لعظم جهله، كمن فقد الإحساس بالألم فقد يبتر عضو من أعضائه، وهو لا يشعر!، وما لجرح بميت إيلام.

والله أعلى وأعلم.

ـ[عبود]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 05:39 ص]ـ

بارك الله فيك

ـ[معاني]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 06:05 ص]ـ

جزاك الله خيرا

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير