تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد يقال، أيضا، بأنه من عطف اللازم على ملزومه، فلا ينفك نكث الأيمان عن طعن في الدين قدحا بسب أو سخرية، بل مجرد نصب العداوة للدين وأهله نكث ليمين المعاهد أيا كان شخصه أو دينه، فالعموم ثابت من وجه آخر، فإن الآية، وإن نزلت في حق مشركي قريش إلا أنها تعم كل طاعن في الديانة، سواء أكان من أهل الكتاب المعاهدين فينتقض عهدهم بتلك الفعلة، كما أشار إلى ذلك البغوي، رحمه الله، بقوله: "فهذا دليل على أن الذمي إذا طعن في دين الإسلام ظاهرا لا يبقى له عهد"، وقيد: "ظاهرا": قيد رئيس في هذا الشأن، فإن الذمي يطعن لا محالة في دين الإسلام باطنا، ولو بمجرد إنكاره والكفر به، فذلك طعن فيه، وغالبا ما يتعدى الأمر، لغلبة الجهل عليه، إلى الطعن في نبي الإسلام صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي لا يكاد يعرف اسمه كاملا!، فضلا عن أن يطالع سيرته فهي آية من آيات نبوته، لمن عقل وتدبر وقائعها، ولكن كل ذلك لا يوجب نقض العهد إلا إن تعدى الجهل إلى الاستعلان بذلك الفحش من القول، وهو أمر، يقع لا محالة، في عصور الضعف والانحطاط التي يعطي فيها المسلمون الدنية في دينهم، فيغري ذلك سفهاء الأمم، فتتوالى الطعون من الخارج والداخل، وينكسر قيد الذل والصغار الشرعي المضروب على أهل الذمة، برسم العدل في المعاملات، فلا جور في هذا الدين، ينكسر هذا القيد لتبدو البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، فالآيات قد بينت لقوم يعقلون، وليس ثم أهل ديانة أو حتى عقل مجرد في زمان السياسات الدنيوية التي ترتكز على قاعدة هشة من المصالح الآنية والتحالفات النفعية، فسرعان ما تنقض بتغير جهة الانتفاع، فيصير عدو الأمس حليفا، وإن كان عدوا للدين وأهله، ويظن التابع الذليل لسفه وقلة عقله أنه شريك في صنع القرار لمن اصطنعه ليقضي به وطرا، فإذا انقضى وطره ألقاه واستبدل به حليفا جديدا، فتلك قواعد السياسة الدنيوية، فلا مكان للسياسة الشرعية التي تستمد أحكامها من أحكام النبوة، لا مكان لها في تلك التحالفات المشبوهة، فليس ثم للنبوة مكان في عالم تقدم فيه أحكام البشر على أحكام رب البشر، جل وعلا، بل ويستخف بها ويطعن في حكمها البالغة، فهي من حكمة من شرعها، فله، تبارك وتعالى، ما ليس لغيره من العلم المحيط والحكمة البالغة فيعلم ما لا يعلم البشر من صلاح الحال والمآل، وإن ظن البشر بعقولهم القاصرة الصلاح فيما لم يشرع، فأحلوا ما حرم، أو حرموا ما أحل، بزعم الإصلاح، فلسان حالهم لسان حال أهل النفاق في زمان النبوة: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)، فيحكم، جل وعلا، الشرائع، بما يلائم حال كل أمة، بل حال الأمة الواحدة بتفاوت أدوارها، وتلك من أعظم حكم النسخ سواء أكان بين الشرائع، فتنسخ شريعة أخرى، جزئيا كشريعة عيسى عليه السلام الناسخة لبعض أحكام الشريعة الموسوية، أو كليا كالشريعة الخاتمة التي نسخت ما تقدمها من الشرائع، فقد حوت زبدة أخبارها وأحكامها، بل وزادت عليها، صدقا وعدلا، فهي محفوظة لا يدخل أخبارها التكذيب، ولا أحكامها التحريف، وإن اجتهد من اجتهد من أعداء الشريعة في تغيير أحكامها باسم الشريعة كما يقع من أدعياء التجديد المزعوم الذي هو في حقيقته عين التخريب الذي وقى الرب، جل وعلا، الشريعة الخاتمة منه، فلم يقع فيها ما وقع في الشرائع السابقة، فلا يعلم الغيب ولا يحكم الشرائع لتلائم أحوال البشر إلا الرب، جل وعلا، فإن ردوا إلى عقولهم، فلكلٍ عقل يهوى ما لا يهواه الآخر، فلأي مشرع يلجأ البشر إن عدلوا عن حكم الشارع جل وعلا، وحكم نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟! فهو صاحب الشريعة تبليغا وتبيينا، فقد أدى الرسالة بمبانيها ومعانيها، فجاءت سنته، وهي، عند التحقيق، وقائع سيرته، التي ضل البشر مسلمهم وكافرهم، لما زهدوا في مطالعتها، ولو للاقتباس!، جاءت هذه السنة المفصلة المحفوظة في دواوين السنة جامعة: بيانا عمليا للوحي، فهي الشارحة لمجمله المبينة لمشكله مما يخفى من ألفاظ أو معان، فمن سنته عليه السلام: سنة الفعل فبها يعرف مراد الشارع، عز وجل، من معنى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير