تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مجمل تزدحم فيه الاحتمالات فيتعين المراد باختياره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو المؤيد بالوحي المعصوم الذي لا يقره إن اختار خلاف الأولى، كما في سبب نزول صدر سورة عبس، وكما في واقعة أسرى بدر، ومنها سنة التقرير بالقول أو السكوت أو حتى بلوغ الأمر له وإن لم يقع بحضرته أو حتى وقوعه في زمانه وإن لم يطلع عليه، فالوحي، كما تقدم، لا يقره، ولا يقر الأمة في زمن الرسالة، فهو زمن التشريع، لا يقره ولا يقرها على خلاف الأولى في حقه، أو الخطأ في حقها، بل قد عصم الرب، جل وعلا، إجماع هذه الأمة من الضلال، فذلك، أيضا، من صور الحفظ الرباني للملة والشريعة الخاتمة.

ومادة النكث التي صدرت بها الآية: مادة كلية تعم المعقول كنكث الأيمان، والمحسوس كنكث الغزل ونقضه، كما في قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)، والسياق هو الذي يعين المراد منهما، ففي سياق المعقولات يكون النكث، بداهة، معنويا.

فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ: فذلك جواب الشرط، وفيه من فنون البلاغة: التجريد فلم يقل: فقاتلوهم، وإنما جرد منهم في ذهن المخاطب أئمة للكفر يتعين قتالهم، فالإتيان باللفظ الصريح وحقه الإضمار، فتقدير الكلام: فقاتلوهم، ذلك الإظهار: يدل على علة وجوب قتالهم، فالأمر الذي صدر به الجواب، على بابه، للوجوب، بل فيه من معاني الحث ما فيه بتعليقه على شرط تستنفر به همم الأحرار لا الأرقاء في قيد الذل، كذلك المضروب على رقابنا في هذه الزمان، فعلة وجوب قتالهم: صيرورتهم بهذا الطعن الصريح أئمة في الكفر، فليسوا كفارا فحسب، فليس كل كافر يباح قتاله، فقد كانوا كفارا قبل الاستعلان بطعنهم، ومع ذلك، كان قتالهم محرما لعهد أو ذمة، فلما أتوا بالناقض صار قتالهم جائزا بل واجبا، فانقلب الحكم إلى ضده بانقلاب علته، فالحكم دائر معها وجودا وعدما، طردا وعكسا، ومنه يؤخذ وجوب قتل المرتد الذي يطعن في الديانة، فعلة القتل في حقه حاصلة، وإن كان ذلك غير واقع في زماننا في أغلب أمصار المسلمين لغيبة الإمام الجامع الذي يستوفي الحدود برسم العزة والانتصار للديانة، فهو طاعن، كبقية الطاعنين في الملة جحودا أو استهزاء، وغالبا ما يتلازمان فلا ينفك الطاعن في الديانة، كما يقول بعض أهل العلم المعاصرين، لا ينفك عن جحد لجملة من أحكامها، وإن أظهر التصديق المجرد بلسانه، فكيف إن كان جاحدا منكرا بلسانه بل طاعنا بنعوت التخلف والرجعية والوحشية لمن يقيم أحكام الجنايات، فهي من أبرز ما يطعن به من يطعن في هذه الملة، وإن كانت الشريعة أعم من ذلك، خلافا لمن قصرها على هذا الجانب لكونه أظهر جوانبها، فليست الشريعة استيفاء للحدود فقط، بل ذلك جزء رئيس منها، ولكنها تشمله وتشمل أحكاما أخرى، بعضها غير ظاهر ظهور الحدود فيخفى على كثير من المسلمين، كالولاء والبراء القلبي، وما يستلزمه، لزوما عقليا لا انفكاك فيه، من وجوب بغض الكافرين والامتناع عن مظاهرتهم على المسلمين بأية صورة من صور الدعم المادي أو المعنوي، ولو نصت على ذلك اتفاقية جور أو معاهدة ظلم أو تحالف إثم على عدوان على بلد مسلم ولو بحجة رد ظلمه وبغيه على جيرانه، فظلم المسلم لا يرد بالاستعانة بالكافر على إبادته!، فتلك وثائق باطلة شرعا، لو كان للشرع وزن، فلا ينفك عن هذا الطعن ومعه غالبا الاستهزاء بالملة وأحكامها ومن ينتصر لها ويذب عنها التحريف والتأويل لإقرار الباطل وتكييفه، إن صح التعبير، ليتلاءم مع الشرع، ولو ألصق به إلصاقا!.

وبهذه الآية أيضا: استدل من استدل من المحققين على وجوب قتل ساب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيقتله الإمام أو السلطان الموكول باستيفاء الحدود، ردة بلا استتابة إن لم يظهر التوبة، أو حدا بلا استتابة، أيضا، إن أظهرها، وأمره موكول إلى ربه، جل وعلا، فذلك من تعظيم حرمات الله، فمن أعظمها حرمة نبيه الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي انتهكها من انتهكها من الزنادقة والمرتدين والكفار الأصليين في زمان: حرية الفكر!، بل صار المنكر عليهم مظنة التطرف والتزمت، بل لعله من رءوس الخوارج المعاصرين!.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير