تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاء النص على علة وجوب قتالهم: إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ: على حد الفصل لشبه كمال الاتصال، فصدر السياق بالمؤكد الناسخ، فهو، كما تقدم مرارا، مئنة من تعليل ما سبقه، فإنهم لا أيمان لهم، فانتفى العهد العاصم للدم والمال، فانقلب الحكم من الموادعة إلى المقاتلة لينتهوا فـ: "لعل" في هذا السياق تعليلية، كما أشار إلى ذلك المعنى بعض المحققين من أهل العربية كالأخفش رحمه الله.

ثم جاء الاستفهام الإنكاري في معرض الحث والاستنفار لهمم الرجال حقيقة لا صورة!:

أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ: فذيل بذكر طرف من أفعالهم استنهاضا للمقاتلة، فنكثوا أيمانهم، فذلك من الإطناب بتكرار المعنى الذي تقدم في الآية السابقة، ثم جاء البيان له بصور أخرى من صور الطعن في الديانة، فهموا بإخراج الرسول: وبه استدل، أيضا، من استدل من أهل العلم على وجوب قتال من سب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن كان الساب جماعة لهم شوكة، أو قتله إن كان فردا، فقياس الأولى قاض بذلك، فإذا كان مجرد التعرض له صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهم في إخراجه وذلك نوع أذى له، فكيف بسبه أو سب زوجاته، رضي الله عنهن، أو سب أصحابه، على تفصيل في مسألة سب الصحابة رضي الله عنهم: في حكم من سبهم عامة أو سب كبارهم ممن تواترت الأدلة على فضله وسابقته هل يكفر بذلك فيصير حلال الدم وهل يقتل تبعا لذلك ومن يقتله .... إلخ، فليس هذا موضع ذكره، فقتال سابه واجب من باب أولى قياسا على قتال من هم بإخراجه فذلك من قياس الأولى الصحيح، وبدءوا المسلمين بالقتال فهم الذي نصبوا راية العدوان بالقول أو الفعل أو التحريض، كما صنعت ابن أخطب لما حزب الأحزاب لحرب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأغرى سفهاء بني قريظة بنقض العهد فاستحق القتل، فقتله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع من قتل من بني قريظة بعد جلاء الأحزاب عن المدينة.

ثم جاء التذييل باستفهام إنكاري آخر يزيد النفوس تحفزا والهمم إلهابا: أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ: فالجناس في مادة الخشية على جهة المقابلة بين خشية العبد المذمومة وخشية الرب، جل وعلا، المحمودة مما يزيد المعنى تقريرا، فضلا عن التذييل بشرط أريد به أيضا الإلهاب والتهييج: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: على طريقة إن كنت رجلا فافعل، فإن كنتم مؤمنين فاخشوا الله، عز وجل، ولا تخشوهم وأعدوا العدة لقتالهم ليشفي الرب، جل وعلا، بكم صدور قوم مؤمنين، عظم غيظها واشتد كربها.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير