تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن صور التوكيد في الحديث أيضا: الإخبار بالفعل الذي أضمر فيه فاعله: يبسط، فحصل التوكيد بتكرار الفاعل مظهرا معنويا، فالمبتدأ، أو اسم الناسخ: فاعل في المعنى، ومضمرا لفظيا، فالفاعل المضمر: فاعل حقيقة في لفظه ومعناه، وجاء الفعل على حد المضارعة، مئنة من التجدد والاستمرار، فذلك آكد في تقرير المعنى، وهو أدعى إلى المبادرة بالتوبة والاستغفار، ووصف البسط من أوصافه الفعلية، جل وعلا، فهو مما يتعلق بمشيئته العامة النافذة، فيبسط إذا شاء فضلا، ويقبض إذا شاء عدلا، فـ: (اللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، فأطلق الفعل في هذه الآية، وجاء الطباق بين الفعل وضده، استيفاء لوجهي للقسمة الثنائية العقلية رفعا لتوهم النقص في حقه، جل وعلا، بتوهم عجزه عن أحد الفعلين، بل له كمال الوصف جمالا بالبسط وجلالا بالقبض، فالرب، هو الذي يفعل الشيء وضده على وجه الكمال، فلا تعارض بين أفعاله ولا تضاد بين أوصافه، بل تتعاضد في معرض إثبات كماله، جل وعلا، وقيد الوصف بيده الكريمة، جل وعلا، في هذا السياق، فذلك من جملة الرد على مقالة أخبث يهود: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)، كما قرر ذلك ابن منده، رحمه الله، في "كتاب التوحيد"، فعنون للباب بقوله: "بيان آخر على أن الله تعالى باسط يداه ردا على أعداء الله اليهود". اهـ

فجاء الرد في التنزيل عقيب تلك المقالة المستشنعة: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ): فذلك من الإضراب إبطالا بإثبات الضد، فيداه، جل وعلا، مبسوطتان بالإنفاق، ويده، جل وعلا، في هذا الحديث مبسوطة بالمغفرة والتوبة، ولا تعارض بين التثنية في الآية والإفراد في الحديث، فإن إضافة اليد إلى الضمير في: "يده": مئنة من العموم، فيحمل الإفراد على التثنية في الآية فهي نص لا يحتمل التأويل، فدلالة المثنى على معناه قطعية، ولا يعارض ذلك، أيضا، صيغة الجمع في نحو قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)، فذلك من التعظيم الذي عرفته العرب في كلامها، فحده حد الجمع في نحو قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، فلا يلزم من الإتيان بضمير الجمع تعدد الذوات، بل ذلك لقرينة السياق: سياق إنزال الذكر وحفظه، مئنة من تعظيم شأن المتكلم، جل وعلا، فقد تكفل بإنزال الكتاب وحفظه، ولا يقدر على ذلك، بداهة، إلا عظيم، فلا يلزم، أيضا، من إضافة اليد إلى ضمير الجمع في آية: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا)، تعارض بينها وبين التثنية في آية المائدة، فالإضافة فيها، أيضا، من قبيل التعظيم لقرينة السياق، فخلق الأنعام مئنة من عظم قدرة الرب، جل وعلا، أن خلقها، ومنته على عباده أن سخرها لهم فـ: (ذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ).

ثم جاءت الظرفية فالباء مئنة منها في: "بالليل": ولعل تقديم الليل لكونه الأصل فمنه ينسلخ النهار، فذلك من قبيل ما ذكره بعض الفضلاء المعاصرين ممن له مشاركة فاعلة في بيان أوجه الإعجاز العلمي في التنزيل: كتابا وسنة، في تفسير قوله تعالى: (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)، فقدم الليل فهو الأول، وثنى بذكر النهار فهو الثاني، فيبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، فالإضافة في: "مسيء" من إضافة المظروف إلى ظرفه، فهي من قبيل الإضافة في نحو قوله تعالى: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)، فتأويلها: الإساءة في الليل، كما هو تأويل المكر في الآية بالمكر في الليل، ثم جاء الطباق استيفاء لوجهي القسمة الثنائية العقلية إمعانا، أيضا، في إثبات عظم مغفرة الرب، جل وعلا، ورحمته، فباب التوبة مفتوح: ليل نهار، فذلك عموم ذيل بالتخصيص بـ: "حتى تطلع الشمس من مغربها" فذلك من التخصيص بالغاية، كما قد قرر ذلك أهل الأصول، فذلك الإغلاق العام لباب التوبة، في مقابل الإغلاق الخاص بالمعاينة حال النزع كما تقدم في صدر الكلام.

فالرب، جل وعلا، يبسط يده بالكرم المعنوي مغفرة، وبالكرم المادي عطايا ومنحا ربانية.

ولا أعظم من هذه الأيام الفاضلة التي يبسط فيها الرحمن، جل وعلا، يده بالعطايا والمنح الإلهية مغفرة للعصاة وثوابا مضاعفا للطائعين.

والله أعلى وأعلم.

ـ[عبود]ــــــــ[17 - 08 - 2010, 08:43 م]ـ

بارك الله فيك

ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[18 - 08 - 2010, 03:05 م]ـ

شهر مبارك أخي مهاجرا

افتقدنا قلمك منذ زمن

تحياتي لك

وشكرا على هذه المعلومات القيمة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير