تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذلك إلا من جنس الغلو في البشر، وهو مما قد ورد النهي عنه ولو في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم وإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"، فكيف بمن دونه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا: فذلك من التوكيد بالمؤكد الناسخ، وضمير الشأن فضلا عن مجيء الفعل على حد المضارعة تقريرا للصورة في الأذهان، فيسلك من بين يديه ومن خلفه، فذلك مئنة من عموم الحفظ الكوني بالرصد الملائكي الذي يحرس النبي من تعرض الشياطين التي تسترق السمع، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

ثم جاء التعقيب بالتعليل لما تقدم، فيسلك الرصد: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا:

فذلك من جملة ما تقدم من علم الإحصاء، فهو حادث باعتبار آحاده، قديم أزلي باعتبار نوعه، فليس علما من جنس علوم البشر الذين يبدو لهم ما كان عنهم خافيا، فعلمهم مسبوق بالجهل، وذلك وصف قد تنزه عنه الرب، جل وعلا، فعلمه، جل وعلا، بالشيء بعد وقوعه: علم ظهور وانكشاف، فيأتي العلم الثاني في عالم الشهادة تأويلا للعلم الأول في عالم الغيب، وذلك وجه المضارعة في الفعل الذي صدرت به الآية، فهو حادث متجدد من هذا الوجه، لتعدد حدوث وتجدد الأعيان والأحداث الكونية، فلكل منها تقدير بالعلم الأول: غيبا، وإحصاء بالعلم الثاني: شهادة، فذلك الرصد ليعلم أن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ، فحصل التوكيد بالناسخ المخفف وما اتصل به تقديرا من ضمير الشأن المحذوف، و: "قد" التي تفيد التحقيق، وجاء الجمع في "رسالات" بالنظر إلى أفراد الغيب دون جنسه، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فهو غيب عام كلي تندرج تحته جملة من الغيوب الجزئية الخاصة، والضمير في "أبلغوا" مما يقبل الاشتراك على وجه يصح فيه الجمع بين المشتركات، فلا تعارض بينها، فيكون ذلك شاهدا لمن جوز عموم المشترك اللفظي بدلالته على جميع أفراده على وجه لا يقع فيه التعارض بينها، فيحتمل الرجوع على على الملائكة: فيعلم، جل وعلا، لا عن جهل سابق، كما تقدم، يعلم أن قد أبلغوا الرسالات إلى الرسل عليهم السلام محفوظة من الشياطين التي تسترق السمع، ويحتمل الرجوع على الرسل عليهم السلام فيعلم، وهو العليم أزلا جل وعلا، أن قد أبلغوا الرسالات إلى أممهم، ثم جاء الاحتراز بالتذييل بعموم إحاطته بما لديهم علما، وعموم إحصاءه للأشياء عددا، لئلا يتوهم متوهم أن علمه، جل وعلا، بملائكته أو رسله من جنس علم ملوك البشر بجندهم أو رسلهم فيخفى عليهم يقينا من حالهم شيء بل أشياء، وذلك، أيضا، فرقان بين علم الخالق، جل وعلا، الكامل، وعلم المخلوق الناقص.

والله أعلى وأعلم.

ـ[عبود]ــــــــ[23 - 08 - 2010, 12:04 ص]ـ

نفع الله بعلمك ياأستاذ مهاجر و جميل أنك تربط الايات والاحاديث وتظهر ما فيها من معاني وأحكام بلاغية ونحوية

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير