تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا الوجه تأويل الوصف بمضارعه فهو فرع عنه في العمل والمعنى، وإن كان دونه في القوة، فالفرع أضعف من الأصل بداهة، فهو عالم الغيب التقديري أزلا، وهو يعلم الغيب، فذلك وصف تتجدد آحاده، فكم من الغيوب الحادثة التي لا يعلمها إلا هو، فمن ذا الذي يدعي من البشر الإحاطة بجملة الغيب، بل بجملة منه، بل بمعلومة واحدة منه، على جهة الجزم، فليس ثم إلا التخرص، عرافة أو تنجيما بادعاء قوى التأثير للنجوم فيختص بعلمها جملة من الكهان والمنجمين فذلك دين الصائبة الذين بعث إمام الموحدين: الخليل عليه السلام إليهم، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، بقوله: "وَأَيُّ مُنْكَرٍ أُنْكِرَ مِنْ عَمَلِ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ؛ (أي: الكهان والمنجمون)، سُوسِ الْمُلْكِ؛ وَأَعْدَاءِ الرُّسُلِ؛ وَأَفْرَاخِ الصَّابِئَةِ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ فَهَلْ كَانَتْ بَعْثَةُ الْخَلِيلِ صَلَاةَ اللَّهِ وَسَلَامَهُ عَلَيْهِ إمَامِ الْحُنَفَاءِ إلَّا إلَى سَلَفِ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ نمرود بْنَ كَنْعَانَ كَانَ مَلِكَ هَؤُلَاءِ؛ وَعُلَمَاءُ الصَّابِئَةِ هُمْ الْمُنَجِّمُونَ وَنَحْوُهُمْ وَهَلْ عُبِدَتْ الْأَوْثَانُ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ إلَّا عَنْ رَأْيِ هَذَا الصِّنْفِ الْخَبِيثِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"، أو: الظن الراجح، إن كان من الغيب المقيد الذي وضع الرب، جل وعلا، لمعرفته أسبابا، وإن لم تكن جازمة، كالأحوال الجوية اليومية، فتلك من الغيب المقيد الذي يتلمس أهل الأرصاد معرفته بجملة من الأسباب العلمية المعتبرة، فليس ذلك من الشرك في شيء، إلا إن ظن الراصد استقلال غير الرب، جل وعلا، من الأسباب المغيبة أو المشهودة، بالتأثير في حر أو برد أو نزول مطر أو ثلج، فوجب تعليق ذلك بالمشيئة الكونية النافذة التي تسير الأسباب المغيبة من ملائكة ونحوه فـ: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)، والأسباب المشهودة من رياح ومنخفضات جوية ........... إلخ.

فـ: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا: فالفاء مئنة من التفريع فلازم انفراده بعلم الغيب أنه لا يظهر عليه أحدا، فالنكرة في سياق النفي مئنة من العموم، وقد أظهر لفظ "الغيب" في: "غيبه" وحقه الإضمار، عناية بشأنه فالعلم به هو الفرقان بين الخالق، عز وجل، والمخلوق، وهو مخصوص بما ورد في الآية التالية: (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)، فيعلم الرسل عليهم السلام، جملة من الغيوب تحديا وإعجازا، كما وقع للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وقائع عدة، فأطلعه، جل وعلا، على جملة من الغيوب الماضية فـ: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا)، وجملة من الغيوب الحاضرة كالذي أضمره عمير بن وهب، رضي الله عنه، من نية قتله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يسلم بين يديه، وجملة من الغيوب التالية كالفتن وأشراط الساعة، فأطلعهم الرب، جل وعلا، على جملة من الغيوب، وتلك من جملة دلائل النبوة، فـ: "من": جنسية بيانية، فأطلع جنس الرسل عليهم السلام على جملة من الغيوب وانفرد بعلم غيوب لا يعلمها إلا هو، فالعموم فيها محفوظ، فـ: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فحصل بذلك التمايز بين مقام الربوبية، ومقام النبوة، أشرف مقامات البشر، فالتباين بين مقام الربوبية، ومقام ما دون النبوة، ثابت في هذا الشأن من باب أولى، فإذا كان النبي الذي يوحى إليه ما لا يوحى إلى غيره من آحاد البشر، إذا كان النبي الذي هذا وصفه لا يعلم إلا ما علمه الرب، جل وعلا، إياه، من وحي خبري أو شرعي، فكيف جاز لفئام من البشر أن يدعوا لأنفسهم أو لغيرهم من الرهبان أو الأئمة أو الشيوخ ..... إلخ من علوم الغيب المطلقة التي لا يعلمها ملك مقرب أو نبي مرسل، وهل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير