تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم عقب بلازم من لوازم الحياء وهو وصف: الكرم، فدلالة كل منهما على الآخر من: دلالة اللزوم، فكلاهما يدل على معناه مطابقة، وعلى معنى الآخر لزوما، فالحيي كريم يعطي إذا سئل، فـ: "يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا"، فجاء الفعل على حد المضارعة مئنة من التجدد والحدوث، بالنظر إلى ما تقدم من تجدد آحاد الوصف بتجدد سببه، وذلك آكد في الثناء على الرب، جل وعلا، بديمومة فعل ما يستوجب الثناء والمدح، فضلا عما فيه من استحضار الصورة، وذلك، أيضا، آكد في تقرير وصف الكمال للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله.

وكرمه، جل وعلا، ليس ككرم البشر، فكرم البشر مهما عظم فله منتهى، فلا ينفك مسئول عن سئم وتبرم من كثرة السؤال مهما بلغ كرمه وحلمه، وذلك، أيضا، من النقص الذي تنزه عنه الرب، جل وعلا، بداهة، فـ: "لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُل إِنْسَانٍ مَسْأَلتَهُ مَا نَقَصَ ذَلكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِل البَحْرَ"، وإنما ينزل الرزق من السماء بقدر لئلا يقع البغي والعدوان من بني الإنسان، فقد جبلوا على المشاحة والمخاصمة، فيقع بينهم التنازع على أمر الدنيا، فتلك جبلة راسخة فيهم لا يذهب أثرها إلا كلمات الوحي التي جاءت بها النبوات، فـ: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ........ ): فلم يُذْهِب ذلك الأثر إلا تأويل أوصاف المؤمنين من صلاة وزكاة وعفة وأمانة ...... إلخ، فامتثال أحكام الشرع، كما تقدم، مظنة، بل مئنة من صلاح النفس.

فاجتمع في هذا الحديث الجليل مع وجازته أنواع التوحيد: علما: بالربوبية فورد ذكر اسم الرب مضافا إلى ضمير الخلق مئنة من عموم الوصف، كما تقدم، وبالأسماء والصفات: فهو الحيي الكريم، وعملا، فلازم وقوع التصور العلمي لكماله، جل وعلا، بأسمائه وصفاته، ولعموم ربوبيته بأفعال الإيجاد والتدبير لازم ذلك إفراده بالعبادة، فذلك توحيد التأله العملي بأفعال العباد، ومن آكد صوره: الدعاء الذي ذيل به الحديث.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير