تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الذات القدسية، بتعليقه على المشيئة، فيقال: حي إذا شاء، ميت إذا شاء، كما يروج أهل التثليث في معرض تقريرهم لفرية صلب الرب، تعالى عما يقول الظالمون والمجانين علوا كبيرا، بل لا يتصور إلا ذاتيا لا ينفك عن الذات القدسية، وكذلك الشأن في كل وصف ذاتي، وهي، كما تقدم، مئنة من جماله، تبارك وتعالى، فحسن إيرادها في معرض الترغيب بالوعد، كما حسن إيراد أوصاف الجلال في معرض الترهيب بالوعيد، فلكل متعلق يلائمه، كما قد قرر ذلك المحققون ممن تكلموا في هذا الشأن كابن القيم، رحمه الله، وفي مقابل وصف الجمال: يقال في شأن وصف الجلال بأن الأصل فيه: أنه وصف فعل لا ذات، فيصح تعليقه بالمشيئة، مع اتصاف الرب، جل وعلا، بنوعه أزلا، فذلك من أوليته، جل وعلا، المطلقة بالذات القدسية والصفات العلية فلم يكن معطلا عن وصف الكمال أزلا، بل له الكمال الذاتي والفعلي أزلا وأبدا، كما تقدم في مواضع أخر، فيحدث الرب، جل وعلا، من آحاده ما شاء، مع قدم نوعه وأزليته بقدم وأزلية الذات القدسية، فحده حد أوصاف كـ: الكلام والغضب ..... إلخ، وقد يلتحق بها من هذا الوجه بعض الصفات المشبهة كـ: "الحيي": فقد ورد في آخر الحديث مقيدا بحال حادثة فـ: "يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا"، وذلك مئنة من حدوث الفعل وتجدده بحدوث وتجدد سببه من رفع اليدين إليه، جل وعلا، استنزالا لرحماته واستدفاعا لنقماته.

والحياء من المشتركات المعنوية، فيصح اشتراك الخالق، عز وجل، والمخلوق، في أصله دون فرعه، فلكل ذات وصف يلائمها كمالا أو نقصانا، وإن اشتركت الذوات في أصل المعنى، فتصوره لا يمنع وقوع الشركة فيه، بخلاف حقيقته في خارج الذهن فيمتنع الاشتراك فيها فليست حقيقة وصف الرب، جل وعلا، كحقيقة وصف العبد، وإن اشتركا في المعنى الذهني المطلق، ولذلك وصف موسى بالحياء في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّ موسى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَي مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ"، فاشترك مع الرب، جل وعلا، في وصفي: الحياء والستر: اشتراكا معنويا ذهنيا، فلم يلزم من ذلك، بل امتنع بداهة، اشتراكهما في الحقيقة الخارجية فلموسى عليه السلام حياء وستر يليق بذاته البشرية الأرضية، ولرب موسى عليه السلام: حياء وستر يليق بذاته القدسية العلوية، وهذا أصل جليل في باب توحيد الأسماء والصفات العلمي، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع سابقة.

والحياء من صفات الكمال المطلق فلا يأتي في حق البشر، إلا بخير، ولله المثل الأعلى، بخلاف الخجل فإنه قد يثبت للبشر دون رب البشر، جل وعلا، لما فيه من النقص بفوات استيفاء الحقوق، وذلك مئنة من الضعف والعجز، وذلك مما قد تنزه عنه الرب جل وعلا بداهة، فهو القوي القدير الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو الحكم العدل الذي يستوفي الحقوق، فشرع من الأحكام ما تستوفى به في دار الابتلاء، فإن لم تمتثل، فاستيفاؤها حتم لازم في دار الجزاء، فذلك من لوازم عدله وحكمته: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ). وكم من مظالم لم تستوف في هذه الدار ستستوفى لزوما في دار القرار، وكم من صرخات أطلقها المستضعفون والمستضعفات لم تلامس ديانة أو حتى مروءة ونخوة، فلكل ذلك موعد أمام الرب جل وعل: (مال ولا بنون): فـ:

إلى ديان يوم الدين نمضي ******* وعند الله تجتمع الخصوم.

فيجتمع المظلوم المقهور، ومن ظلمه وقهره، ومن خذله فأسلمه مع قدرته على نجدنه، فباع دينه بل ومروءته وآدميته بثمن بخس من عرض زائل، فسقط في الفتنة التي يستخرج الرب، جل وعلا، بها مكنون الصدور، فـ: "يُصْبِحُ الرَّجُل مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير