تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والإخاء مع رءوس الكفر على موائد الشيطان التي يدعى إليها اللئام من أصحاب الرياسات بلا تقوى، والعلوم بلا أعمال تصدقها، والدماء الباردة فلا تغلي إلا حربا على أهل الديانة من الرجال والنساء، فليس ثم ما يحفز الهمم الدنية التي ماتت قلوب أصحابها، وإن تحركت أبدانهم بما فيها من حياة حيوانية تشترك فيها مع البهائم، فقوى الإحساس الظاهر تعمل، وقوى الإحساس الباطن غيرة وحمية على هذا الدين معطلة، ولا ريب أن تسليم المؤمنات إلى الكفار، هو، أيضا، من صور النفاق الأكبر، بغض النظر، كما تقدم في موضع سابق، عن عين الفاعل الذي يحتج بالإكراه، وليس ثم إكراه معتبر في معظم الأحيان، بل قد تجد من الهمة في البحث والتحري وإعداد الكمائن تحت سمع وبصر المشايخ!، قد تجد من ذلك عنده ما لا تجده عند الكافر صاحب القضية الآثمة، وعن أولئك يقول ابن القيم، رحمه الله، في "الفوائد": "علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم الى النار بأفعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له فهم فى الصوره أدلاء وفي الحقيقة قطاع الطرق". اهـ

فأي أخوة بقيت بعد ذلك، وقد قام الدليل العملي الظاهر على انتفاء أصلها في الباطن، فلا يتصور بقاء أصل الإيمان، وقد وقع صاحبه في شعبة من شعب الكفر تأتي عليه بالإبطال، فلا يجتمع الشيء ونقيضه في محل واحد، فمفهوم الكلام، كما تقدم، انتفاء الأخوة بين المسلم وغيره، فالكلام يفيد بمنطوقه حكما مثبتا، وبمفهومه حكما منفيا، فينتفي مطلق الأخوة بين المسلم وغيره من كافر أو مرتد، بقيام وصف ناقض لأصل الإيمان، كتولي الآخر المزعوم ونصرته على المؤمن المقهور!، فليس ثم إلا البراء، مع جواز البر بالكافر الأصلي، دون المرتد، في أمور المعاش من معاملات ونحوه، ما لم ينكث يمينه وينقض عهده بطعن في الدين، بمقالة أو فعل سوء، كحال كثير من كفار أهل الكتاب في زماننا، كالقس المشلوح ومن يحركه من وراء الستار، ولم يعد شخصه القبيح خافيا على أحد.

وتنتفي الأخوة المطلقة من وجه آخر، لو حمل وصف الإسلام في الحديث على الإسلام الكامل، فيكون ذلك من قبيل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، فذلك المسلم الكامل الإسلام، وبه استدل على أن الإسلام كالإيمان يزيد وينقص، بالنظر إلى معناه العام حال الافتراق عن الإيمان فيعم الظاهر الإسلامي والباطن الإيماني، فيتصور أن يكون المسلم ناقص الإسلام من هذا الوجه، فلا تثبت له الأخوة الإسلامية كاملة، بل يوالى بقدر ما فيه من إسلام، ويبغض بقدر ما فيه من شعب كفر أو نفاق أو معاص ظاهرة أو باطنة ما لم تكن ناقضة لأصل الإيمان في القلب فتلك تلحقه بالكفار فتنتفي الأخوة بها مطلقا، فقد يقال بأن المسلم الكامل الإسلام هو أخو المسلم، فتعليق معنى الأخوة على الإسلام مئنة من كمال إسلامه، فيفيد الكلام بمفهومه بعد تقدير وصف الكمال، أن: المسلم الناقص الإيمان ليس أخا للمسلم من كل وجه إذ قد قام به يقينا وصف مانع من تحقق وصف الأخوة الكاملة من شعب كفر أو نفاق أو معاص ..... إلخ، غير ناقضة لأصل الإيمان، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وذلك مذهب أهل السنة في مسألة تبعض الإيمان أو الإسلام بتعدد شعبه القلبية والقولية والفعلية، فيزيد بزيادتها وينقص بنقصانها، فكلما زادت زاد قدر الولاء الواجب لصاحبها، وكلما قلت قل، فالتناسب طردي بين وصف الإسلام وحكم الولاء، وقد يقوم بصاحبها ناقض يأتي على الأصل بالإبطال فتصير الشعب وإن تعددت عديمة الجدوى، وذلك مما يجعل دراسة نواقض الإيمان، وقد تعددت وخفيت في زماننا، يجعل دراستها مطلبا ملحا، ليعلم المسلم ما يجب عليه في نفسه، وما يجب لأخيه عليه من وجوب الولاية والنصرة والتأييد والحماية، لا سيما إن كان قادرا ممكنا، فليس القادر والعاجز في ذلك سواء، فكيف إن كانت قدرته وبالا على المسلمين بإسلامهم إلى الكافرين، وذلك ما ذيل به الخبر الذي قدم مجملا فأفاد تشويقا إلى بيانه، فجاء البيان لذلك الخبر الذي صدر به الكلام على جهة تقديم المسند إليه فالمسند تشويقا، ثم التعقيب بالبيان: لاَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير