تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ: فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعلين مئنة من العموم، كما تقدم، وهو خبر في مبناه، إنشاء في معناه، فيفيد النهي عن ظلم المسلم وإسلامه إلى عدوه، وقد يقال بأن ذلك، أيضا، من باب الإطناب، بذكر الخاص عقيب العام، فالظلم معنى عام، وإسلام المسلم إلى الكافر معنى خاص يندرج تحت عمومه، فهو من صور الظلم الفاحشة، فحسن إفرادها بالذكر، تنويها بخطرها، فليست كالظلم في النفس بالضرب أو القطع أو حتى القتل أو الظلم في العرض بزنا أو نحوه أو الظلم في المال بسرقة أو غصب أو نحوه، فتلك لا توقع صاحبها تحت طائلة الردة ما لم يستحلها، بخلاف صورة خذلان المسلم بتسليمه إلى الكافر، فتلك توقعه تحت طائلتها، فهي، كفر أكبر في نفسها، بغض النظر، كما تقدم، عن حكم فاعلها المعين فتحرير ذلك أمر لا يجدي كثيرا في معرض التقرير العام للمعنى، وهو أجدر باهتمام المسلم لا سيما في أعصار الفتن التي تعز فيها الأوقات فلا يحسن بذلها في أمل قليل الجدوى، فليس كلنا قضاة شرعيين لنحكم على فلان أو فلان بأعيانهم بالردة.

وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ: فذلك من قبيل الجزاء الذي هو من جنس العمل، ويزيده تقريرا الجناس بين الحاجتين أو المشاكلة اللفظية بينهما، والحاجة تعم حاجة الدين بتأمينه على معتقده وشعائره، وحاجة الدنيا بتأمينه على دمه وعرضه وماله وعقله فتلك الضرورات التي نزلت الشريعة الخاتمة لحفظها، وقد أهدر أغلبها، إن لم يكن كلها في زماننا، وكان آخرها إهدارا في الآونة الأخيرة: أولها، وأعظمها شأنا: الدين.

وتعليق الأمر بصورة الشرط الذي يدل على التكرار فهو ملكة راسخة في نفس صاحبه، فيكون في حاجة أخيه، دائما، فيكون الرب، جل وعلا، في المقابل، في حاجته دائما، ذلك التعليق: آكد في تقرير المعنى في معرض الترغيب، وشتان الكينونتان: فكينونة العبد في حاجة أخيه تنقطع لا محالة بما يرد عليه من العوارض والصوارف الكونية، من غفلة ولغوب وسنة ونوم ونوازل كونية تذهل صاحبها عن مطالعة شأن غيره وموت يقطعه عن هذه الدار واشتغال بتحصيل أمور المعاش ...... إلخ، وأما كينونة الرب في حاجة العبد فهي كينونة من لا يغيب عن خلقه، فذلك من الأفول الذي تنزه عنه، فلا يخفى على الرب، جل وعلا، شيء من كونه، علما وتدبيرا، فعلمه محيط، فـ: (عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وتدبيره محكم متقن، فهو أحكم الحاكمين الذي أتقن كل شيء، فيكون ذلك وجه المشاكلة بين الكينونتين، فبينهما قدر مشترك فذلك من قبيل الاشتراك المعنوي في أصل كلي جامع، وقدر فارق، يقع به التباين، فليست كينونة الرب، جل وعلا، ككينونة العبد، فلكل وصف يليق بحاله كمالا أو نقصانا، فليست كينونة من لا يغيب فيعلم السر وأخفى، وهو مع ذلك: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)، ككينونة من يغيب فيخفى عليه من الحوادث ما يخفى، بل الجهل أصل فيه لقصور مداركه الحسية والمعنوية، فإن غفل الرقيب البشري، فالرقيب الرباني لا يغف ولا ينام، فـ: (لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)، وإن قعد العباد عن نصرة المستضعفين والمستضعفات، اختيارا أو اضطرارا، فالرب، جل وعلا، هو الذي: (يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)، فجاء الفعل على حد المضارعة مئنة من الحدوث والتجدد، أيضا، فيحدث، جل وعلا، ما شاء من أفراد وصفه الذاني، فهو سميع الدعاء، ولو من كافر، فكيف إذا كان من مستضعف أو عاجز عن نصرته قد بذل وسعه واستفرغ جهده في نصرة أخيه، فصح توكله على الرب، جل وعلا، فلا يستجيب الرب، جل وعلا، لمن قعد ابتداء، برسم الكسل أو قلة الاكتراث، وإنما يستجيب لمن حرر ولاءه لأخيه فكان في حاجته، ولو بكلمة، ولو بغضبة حر في نفسه يحترق فيها قلبه كمدا على ما ينال أبناء دينه من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير