تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أو مؤمن باعتبار تحقق الأصل فاسق باعتبار تخلف الفرع الواجب، وليس ذلك وصف من ترك أصلا بنفسه كالولاء والبراء، كما تقدم، فينتقض أصل الإيمان في القلب بزواله، فهو من عمل القلب الذي لا يتصور زواله إلا بزوال الإيمان فهو خطاب بأصل يلزم لصحته تحقق الأصل الأول كما تقدم.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "شرح الأصفهانية"، في معرض تقرير تبعض الإيمان إلى شعب:

"وأما أئمة السنة والجماعة فعلى إثبات التبعيض في الاسم والحكم فيكون مع الرجل بعض الإيمان لا كله ويثبت له من حكم أهل الإيمان وثوابهم بحسب ما معه كما يثبت له من العقاب بحسب ما عليه وولاية الله تعالى بحسب إيمان العبد وتقواه فيكون مع العبد من ولاية الله تعالى بحسب ما معه من الإيمان والتقوى فإن أولياء الله هم المؤمنون المتقون كما قال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون) ". اهـ

وعلى قول الحنفية، رحمهم الله، لا يتوجه الخطاب إلا إلى المؤمنين، فأول من يتوجه الخطاب إليه بعد صاحب الشريعة صلى الله عليه وعلى آله وسلم هم الصدر الأول، رضي الله عنهم، وقد ورد أنها نزلت في أحاد منهم، كما يأتي إن شاء الله، ومن بعدهم إلى يوم الناس هذا داخل في عموم الآية بداهة.

والشاهد أن إدراج خطاب كهذا في مسألة الخطاب بفروع الشريعة نوع تجوز، فهو أصل جليل بنفسه غفل عنه من غفل من أهل هذا الزمان.

وأشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى وجه آخر يكون الخطاب فيه متوجها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمراد غيره، فلا يتصور توجه الأمر إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعدم موالاة الكافرين، إلا على سبيل تقرير مقادير الأعمال صحة أو فسادا، ثوابا أو عقابا، فيكون ذلك من قبيل قوله تعالى: (ولَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، ووقوع الشرك من الأنبياء عليهم السلام محال ذاتي، فتعليق الجزاء عليه بيان لعاقبة الشرك الذي يتصور وقوعه في أتباع الأنبياء، عليهم السلام، فيكون الخطاب لهم، والمراد أتباعهم في معرض تقرير مقادير الأعمال تحذيرا لهم بشرط خبري المبني، إنشائي المعنى، فذلك، أيضا، من قبيل آية المحادة: خبرا عن انتفاء المودة للكافرين، إنشاء لوجوب نفيها من القلب أصلا ومن اللسان قولا ومن الجوارح فعلا فهي أمارات الظاهر على ما يقوم بالباطن من تصور وإرادة، فمن واد الكفار بظاهره، وأبغض المؤمنين، وحرض عليهم، وسعى في إيذائهم بل واستئصالهم ..... إلخ من صور العداء الظاهر في مقابل الولاء الظاهر لعدوهم، فإن ذلك يدل لزوما على صورة مماثلة في الباطن، فينتفي عمل القلب ولاء وبراء باطنا بانتفائه من قول اللسان وفعل الجوارح ظاهرا، فالتلازم بين الظاهر والباطن: تلازم وثيق، فلا تنشأ صورة ظاهرة إلا فرعا عن أصل راسخ في القلب، فمن تولى الكفار بظاهره، وإن ادعى علمه بتحريم ذلك، فلا ينفعه ذلك العلم، فقد وقع فيما ينقضه من العمل، فمن الكفر شعب عملية بعضها يقدح في كمال الإيمان الواجب، كالكذب، على سبيل المثال، وبعضها ينقض أصل الإيمان كمظاهرة الكفار على المؤمنين، فهي أمارة ظاهرة على النفاق الأكبر، فـ:

لَا تَجِدُ قَوْمًا: فتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل فذلك مئنة من العموم، كما تقدم في مواضع سابقة، فلا يتصور وجدان قوم يدعون الإيمان، وهم يوادون الكفار فلا ينفك ذلك، بداهة، عن لازمه من بغض المؤمنين، فهما نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، لا سيما إن كان ذلك بالفعل المصدق للقول، فذلك آكد في تقرير الجناية، وهي تأتي على أصل الملة بالإبطال، إن كان وده لهم لأجل دينهم، وبغضه للمؤمنين من أجل دينهم، ومع ذلك تكون الموالاة الظاهرة على المؤمنين بقول أو فعل أمارة من أمارات النفاق الأكبر، كما تقدم، ولو لم يستحلها بقلبه، فاستحلالها ينقض الإيمان ولو لم يظهر ذلك، فهو ناقض قلبي، بخلاف إظهار ذلك، فهو ناقض عملي، فمن نواقض الإيمان: نواقض علمية سواء أكانت اعتقادا بالقلب أو قولا باللسان، وأخرى: عملية بالجوارح، وإن لم يستحلها العامل بقلبه أو يظهر ذلك بلسانه فيشهد على نفسه بأنه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير