تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا).

وقد أشار أبو السعود، رحمه الله، إلى وجه آخر، يعود فيه الضمير في: "منه" على الإيمان فيكون ذلك من باب التجريد، فقد جرد من الإيمان روحا تؤيد المؤمنين: تأييد الروح للبدن بحفظه من التلف، فلا بقاء له إلا ببقاء مادة صلاحه من الروح اللطيف التي تسري في أطرافه الظاهرة وأحشائه الباطنة، فالإيمان روح القلب التي تحييه: حياة البدن بالروح المعهود.

وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا: فعدل عن الماضي إلى المضارع باعتبار ما سيؤول إليه أمرهم، فدخولهم الجنة أمر مستقبل، وهو في نفس الوقت فرع عما تقدم لهم من كتابة الإيمان والتأييد بروح عظيم من الرحمن حصلت به لهم العناية الخاصة التي لا تكون إلا لمن اصطفاه الرب، جل وعلا، من أهل الإيمان.

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ: فحصلت المشاكلة في اللفظ وأصل المعنى بين وصف الرب، جل وعلا، الفعلي، ووصفهم، فلا يلزم من ذلك الاشتراك في حقيقة الصفة خارج الذهن، بل لكل وصف يليق بذاته كمالا أو نقصانا، كما تقدم في مواضع أخر، وقدم وصفه، جل وعلا، فهو الشأن العظيم الذي تطمح إليه الهمم الشريفة، وهو مئنة من أوليته، فرضاهم فرع عن رضاه، كما أن بقاؤهم في دار النعيم فرع عن بقائه، فهم باقون بإبقائه لهم لا ببقاء ذاتي فيهم، فليس ذلك وصفا للمخلوق، بل ذاتية الصفات من رضا وبقاء ..... إلخ، والتي يظهر بها كمال استغناء الموصوف عمن سواه، فلا يفتقر إلى سبب خارج عنه، بل الأسباب هي التي تفتقر إليه إيجادا وتسييرا، تلك الذاتية الوصفية لا تكون إلا لرب البرية، جل وعلا، ورضاه، عز وجل، عنهم، رضا مؤبد، فلا يحتمل التبديل، فحده حد الكتابة الكونية، فلا يخبر جل وعلا عن رضاه عنهم وهو يعلم أزلا ردتهم أو نكوصهم على أعقابهم، فالنص، وإن كان عاما، في مبناه ومعناه، إلا أنه يتوجه أول ما يتوجه إلى الصدر الأول، رضي الله عنهم، فهم أوفر الناس نصيبا منهم، باعتبار توجه الخطاب إليهم ابتداء، فنسخه في حقهم محال بل قد تواترت الأدلة على رضاه، جل وعلا، عنهم، على وجه حصل به العلم الضروري بفضلهم وتقدم قرنهم، فهم خير قرن، وأعدل طبقة من طباق الأمة فتعديلهم مطلق، فلا يجرح من عدله الوحي إلا مكذب به، بلسان مقاله أو حاله.

فـ: أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: فنسبهم الرب، جل وعلا، إليه، على جهة التشريف، ثم فرع عن ذلك الإخبار عنهم بالفلاح فذلك لازم نسبتهم إليه، جل وعلا، فحسن الفصل من هذا الوجه، وحسن التنبيه بـ: "ألا" الاستفتاحية فضلا عن إظهار ما حقه الإضمار: "حزب الله" لتقدم ذكره، وورود جملة من المؤكدات كاسمية الجملة وتعريف الجزأين وضمير الفصل "هم".

فكل تلك المؤكدات تقطع يقينا بفضل أولئك السادة أصلا، وفضل من سار على طريقتهم، فلسان مقاله: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

ومعاني الولاء والبراء من أبرز ما يجب تحريره في هذا العصر، لا سيما، وقد اختلطت الأوراق، وبلغ الأمر حد الفتنة والنازلة التي تمحص فيها القلوب، فتلك شعيرة مغيبة في أزمنة الاستضعاف، التي ذل فيها المؤمنون على الكافرين، اضطرارا، أو اختيارا، كما هي الحال في أمصار المسلمين التي وليها سلاطين جور لا يعنيهم إلا مصالحهم الذاتية، ولو أدى ذلك إهدار المصلحة بل والكرامة العامة، فيؤدي ذلك لزوما إلى رد فعل معاكس، قد يقع فيه ظلم أو جور على كتابي مسالم، لا دخل له فيما يجري، أو على العكس قد يذل فيه المؤمن لكتابي صارت الدولة له فيتفنن في استفزاز المسلمين فلسان حاله: من ينكر علي؟!، كما هي الحال الغالبة الآن، وقد انتفش الباطل بسذاجة منقطعة النظير، فالحكمة تقتضي إبقاء خط رجعة، فلعل الأيام تدور، فتنقلب الحال، وتزول ممالك وتحل أخرى، فالأيام دول، وتلك سنة كونية جارية يغفل عنها أهل الباطل في نشوة الظهور المؤقت على أهل الحق، وبين الإفراط والتفريط في هذا الباب يقع من الصدامات والتجاوزات ما يقع، ومع غياب حكم الشريعة العام، وحكمها الخاص في هذا الباب، ومع سعي أهل الباطل الحثيث في إيقاد نيران الفتنة يبدو الانحدار وشيكا والصدام العام قريبا إلا أن يشاء الرب، جل وعلا، غير ذلك.

والله أعلى وأعلم.

ـ[أنوار]ــــــــ[27 - 08 - 2010, 09:19 م]ـ

بارك الله جهودكم أستاذنا الكريم ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير