تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ: فتلك "لو: " الوصلية فهي مئنة من المبالغة في تقرير المعنى على حد "لو" في قوله تعالى: (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ)، وقد ورد في سبب نزولها، كما قد روى البغوي، رحمه الله، في تفسيره، أنها نزلت في: أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد "أو أبناءهم" يعني أبا بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز وقال: يا رسول الله دعني أكن في الرحلة الأولى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: متعنا بنفسك يا أبا بكر "أو إخوانهم" يعني: مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد "أو عشيرتهم" يعني عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وعليا وحمزة وعبيدة قتلوا يوم بدرعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة.

فيكون ذلك من صور عدم تخصيص العموم بسببه الذي ورد عليه فالعبرة: بعموم اللفظ المحفوظ في كل عصر ومصر، فانتفاء المودة القلبية بين المؤمنين والكافرين معنى متصل في كل زمان فلا يتصور انفكاكه عن معنى الإيمان، لا بخصوص السبب الذي ورد عليه العموم.

وجاء النهي متدرجا من الأعلى إلى الأدنى، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فقدم من هم مظنة النصح الخالص فمن دونهم، وإن كان الجميع ناصحا بمقتضى الطبع، ولكن المحادة حاصلة بمقتضى الشرع، فاختلاف الدين ينفي أخوة المؤمن للكافر، فلا يقدم عقد ولاء من أخوة وطن أو نسب ....... إلخ على عقد أخوة الدين، فـ: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، و: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم". لا يد مع غيرهم على بعضهم أفرادا وجماعات كما هي الحال الغالبة في زماننا.

أولئك: فذلك من الإشارة إليهم: إشارة البعيد فهو مئنة من علو قدرهم، لدلالة السياق على ذلك، فالإشارة بـ: "أولئك" معنى كلي يقبل الانقسام على جهة الاشتراك اللفظي بل التضاد، وهو من أدق صور الاشتراك، فيرد للتعظيم ويرد لضده من التحقير، والسياق، كما تقدم مرارا، أصل في معرفة مراد المتكلم.

أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ: فتلك من الكتابة الكونية النافذة، وذلك آكد في تقرير المعنى، فأثنى عليهم بوصف الإيمان الذي قدره أزلا، فوضعه في تلك المحال الزكية فهي تقبل مادته فتظهر آثارها لزوما على أقواله وأفعاله، فلا ينطق اللسان إلا بالذكر والتلاوة، ولا تعمل الجوارح إلا في الطاعة والعبادة لازمة كانت أو متعدية، والثانية أعظم عند الله، عز وجل، بعد استيفاء الفروض العينية، بل كثيرا ما يصير واجب الوقت هو الطاعة المتعدية بإيصال النفع إلى بقية المؤمنين، لا سيما المستضعفين الذين فتنهم أهل الكفر وخذلهم أهل النفاق، فإبطان الولاء لهم والبراء من عدوهم، وإظهار آثار ذلك على اللسان والجوارح، أوثق عرى الإيمان، فمن لم يجد في نفسه نشاطا لذلك، فليراجع أصل دينه، وليحرر معقد حبه وبغضه، لئلا يصير من حزب أعداء الله وهو لا يشعر، فالراضي كالفاعل، والساكت اختيارا، فاعل بلسان حاله.

وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ: فأيدهم بروح الأمر الكوني، فذلك من قبيل الوحي في قوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، وأيدهم بروح الوحي الشرعي، فذلك من قبيل الوحي في قوله تعالى: (وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فأيدهم على عدوهم، وإن ظهر عليهم بسيفه، وإن صفدت الأبدان في قيده، فالمؤمن عال مستعلن بإيمانه، وإن أصابه القرح، وإنما يتألم إخوانه إن عجزوا عن نصرته، ويتلهى من خذله وظاهر عليه بما يناله من رضا سادته، فلسان مقاله يوم الجزاء:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير