تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تدبيرا وتصريفا!، فجنس الغلو واحد، وإن تعددت الملل والنحل، فمادة الزيادة في قدر المخلوق حتى يصيره القلب إلها معبودا، تلك المادة هي سبب الشرك الرئيس، فكل من غلا في متبوعه فصيره طاغوتا، إن رضي بذلك، كحال كثير من طواغيت زماننا سواء طغوا باسم الديانة أو السياسة، فقد مهد له الطريق بنفسه فما كان ليطغى لولا أن آنس من أتباعه خضوعا وذلا، وقد جاءت النبوات لتهدم بمعاول التوحيد العلمي ابتداء: قلاع الشرك في تلك القلوب الخائفة الأسيرة في قيد الوهم والخرافة، فأظهر الأنبياء عليهم السلام من صفات ربهم، جل وعلا، ما استبان به لكل عاقل القدر الفارق بين المعبود بحق وسائر المعبودات.

يقول ابن القيم، رحمه الله، في "مدارج السالكين":

"والرسل من أولهم إلى خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

أرسلوا بالدعوة إلى الله وبيان الطريق الموصل إليه وبيان حال المدعوين بعد وصولهم إليه فهذه القواعد الثلاث ضرورية في كل ملة على لسان كل رسول فعرفوا الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله تعريفا مفصلا حتى كأن العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون إليه فوق سماواته على عرشه يكلم ملائكته ويدبر أمر مملكته ويسمع أصوات خلقه ويرى أفعالهم وحركاتهم ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم يأمر وينهى ويرضى ويغضب ويحب ويسخط ويضحك من قنوطهم وقرب غيره ويجيب دعوة مضطرهم ويغيث ملهوفهم ويعين محتاجهم ويجبر كسيرهم ويغني فقيرهم ويميت ويحيي ويمنع ويعطي يؤتى الحكمة من يشاء مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويفك عانيا وينصر مظلوما ويقصم ظالما ويرحم مسكينا ويغيث ملهوفا ويسوق الأقدار إلى مواقيتها ويجريها على نظامها ويقدم ما يشاء تقديمه ويؤخر ما يشاء تأخيره فأزمة الأمور كلها بيده ومدار تدبير الممالك كلها عليه وهذا مقصود الدعوة وزبدة الرسالة". اهـ

فذكر ابن القيم، رحمه الله، جملة من أوصاف الرب، جل وعلا، الذاتية والفعلية، اللازمة لذاته، والفاعلة في كونه إيجادا وتدبيرا، ذكر منها جملة أفاض الأنبياء عليهم السلام في بيانها ليزول قيد الخرافة من القلوب التي عظمت غيره، لجهلها بوصف كماله، وغلوها في غيره فغضت الطرف عن وجوه النقص الذاتي الجبلي فيه، وإن شرفت ذاته، فمن غلا في نبي أو إمام أو شيخ أو سلطان ..... إلخ، فالغلو يكون في الصالح والطالح، باسم الدين تارة وهو أفحشه، وباسم الدنيا تارة فهي متعلق الهمم الخسيسة التي تتزلف إلى البشر لنيل رياسات ومآكل زائلة فلا تزداد إلا قبحا وبغضا في قلوب الصالحين الذين امتن الرب، جل وعلا، عليهم، بالسلامة من تلك الحال المرذولة، فمن غلا في نبي أو إمام ....... إلخ، فقد خلع عليه من وصف الرب، جل وعلا، ما ليس له فذلك غلو لا ينفك عن جفاء بنزع تلك الأوصاف من الرب المستحق لها الموصوف بها على لسان أنبيائه عليهم السلام، فالغلو تكذيب لخبر النبوات وكفر بها، فقد جاءت لتثني على المعبود بحق، جل وعلا، وتكشف عوار ونقص ما سواه من المعبودات، فـ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، فأبى رءوس الباطل وسدنة الباطل إلا أن يكون وصف الكمال لمن يترأسون ويتأكلون باسمه، ولو كان شريفا يتبرأ من طريقتهم الردية ولو زعموا أنها دينية مرضية، فلا يرضى نبي أو إمام أو صالح بالكفر!، فذلك مما يغضب الرب، جل وعلا، ويحبط العمل: (لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)، فكيف يرضى به أولياء الله ممن اصطفاهم برسم النبوة أو الإمامة في الدين، فـ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير