تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

ولا ينفك هذا المعول العلمي الهادم لقلاع الشرك في القلب عن معول عملي تأويله: عبوديات القلب من نية وإرادة وتوكل ....... إلخ، فبها يمتاز العابدون، فإن الظاهر قد تتساوى صوره وتتفاوت حقائقه تبعا لتفاوت الباطن صحة وفسادا فهو مرآته الكاشفة لكنهه كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، ولكن قد تعكس المرآة صورة زائفة، كصورة النفاق، فيكون الظاهر سليما والباطن فاسدا، ومع ذلك لا يخلو من تلك حاله من زلة بل زلات في الأقوال والأفعال يظهر بها معدن فساده الباطن، فالأصل أن الصورة العلمية الإرادية الباطنة تعكس صورة قولية عملية ظاهرة تلائمها صحة أو فسادا، فمعول العبودية منه: باطن وهو الأصل، وظاهر هو من حقيقة الإيمان، أيضا، وإن كان تابعا للباطن صحة أو فسادا، فالإيمان كما قد تقدم في مواضع سابقة: قول باطن في القلب وآخر ظاهر على اللسان، وعمل باطن في القلب محبة وتوكلا وولاء للمؤمنين لا سيما المستضعفين وبراء من أعدائهم ممن يظلمهم بفتنتهم في دينهم ويخذلهم بإسلامهم إلى عدوهم فتلك من أصول أعمال القلوب التي لا يصح الإيمان ابتداء إلا بتحقيقها تصورا وعملا بحب وبغض باطن وسعي بالظاهر في نصرة أهل الحق ما استطاع المكلف إلى ذلك سبيلا فيظاهرهم بيده إن استطاع فكان ذا سلطان، أو بلسانه، أو بماله ..... إلخ من صور المظاهرة بالعمل فهي تأويل ما يقول بالقلب من المظاهرة بالإرادة القلبية الجازمة محبة لهم وبغضا لعدوهم وهي، أيضا، تأويل العلم النافع الذي يقوم بالقلب، فلا يتصوره إلا من تلقى علومه من مشكاة الوحي، فآل الأمر هنا، أيضا إلى السلسلة المعهودة: علم صحيح مصدره الوحي يولد في القلب عملا صحيحا بإرادة خير، فيظهر ذلك لزوما على اللسان والجوارح ما لم يقم مانع كوني يسقط به التكليف فلا يؤاخذ صاحبه عن تخلف القول والفعل الظاهر ...... إلخ، فكل تلك الشعب من أعمال القلوب، وعمل اللسان ذكرا وتلاوة ..... إلخ، ثم عمل الجوارح صلاة وصياما وجهادا ...... إلخ، فتكتمل المنظومة العلمية العملية في قلب المؤمن، فذلك حد الإيمان الذي بعث به الرسل عليهم السلام.

والشاهد أن ذلك وجه عد هذا القصر إضافيا، فإن نظر إلى حقيقة العبودية بمعناها الأعم الذي يشمل فعل العبد الباطن والظاهر، ويشمل مفعوله القلبي واللساني والبدني، فإن القصر في هذه الحال يكون حقيقيا، فلا تخرج الأمانة التي حملها الإنسان عن هذا المعنى العام الذي يشمل سائر أجناس الحركة الباطنة والظاهرة، فيتحرك القلب بتصور علمي سابق، فتتولد فيه إرادات تظهر آثارها لزوما على اللسان والجوارح، فذلك من صور التلازم الوثيق بين الملزوم المنشئ للفعل، وهو العلم والإرادة، واللازم الناشئ وهو القول والفعل الظاهر، وعد هذا القصر حقيقيا، يلائم من كل وجه قول المحققين من أهل العلم بشمول معنى الإيمان لاعتقاد القلب وقول اللسان وفعل الأركان، وكذلك قول من عده قصرا إضافيا، فإنه لم يرد الحصر في معنى الإخلاص الباطن، وإنما اقتضى مقام قلب اعتقاد المخاطب الذي وقع في ضد الإيمان من الشرك، اقتضى التنبيه على ما زل فيه بأقوى أساليب القصر على جهة الادعاء لا الحقيقة فذلك آكد في البيان وإقامة الحجة، فضلا عن معنى الإنكار والزجر فليس المخاطب جاهلا لا علم له بالنبوة، بل هو ممن أوتي الكتاب، فتواترت عنده أخبار النبوات، فعلم منها ما لم يعلم غيره من المشركين عباد الأوثان، فكان من اللائق بحاله، وهي مظنة الكمال بما عنده من العلم فإنه أعظم أسباب الكمال النفساني، كان من اللائق بمن هذه حاله، أن يفي بغرض النبوة الأول: إفراد رب العبيد، جل وعلا، بالعبادة على رسم الإخلاص، فالتقييد بالحال: (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ): وصف مؤثر، فمخلصين له وحده حنفاء مائلين لعبادته مائلين عن عبادة غيره، فليست الحال في هذا المقام فضلة في المعنى، وإن كانت فضلة في اللفظ، فالبناء التركيبي للجملة قد يتم بدونها، ولكن البناء المعنوي لا يتم إلا بها فهي محط الفائدة، فكثير من المشركين يعبد الله، عز وجل، ولكنه يعبد معه غيره، لهوى في نفسه، أو شبهة من قبيل: (مَا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير