تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

وفي مقابل ذلك وعلى جهة طباق السلب بإثبات الملك، له جل وعلا، ونفيه عن آلهتهم: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ: فالذين تدعون من دون الله، رغبة ورهبة، ولا يكون ذلك إلا من تشبيه غير المخلوق بالخالق، عز وجل، فيعتقد الداعي فيه كمالا سواء أكان جمالا بالقدرة على إيصال النفع أو جلالا بالقدرة على إيصال الضر على جهة الاستقلال، فيستقل المدعو بالتأثير، وذلك لا يكون إلا لرب العبيد، جل وعلا، فما النفع والضر من غيره إلا تأثير بقوى مخلوقة فيه، فهو سبب، إن شاء الرب، جل وعلا، إمضاءه: أمضاه، وإن شاء منعه: منعه، فلا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، فإذا غلا العبد في مخلوق مثله فرفعه إلى درجة الاستقلال بالتأثير، توجه إليه لزوما بأجناس التأله الظاهر والباطن، القولي والفعلي، فقد اعتقد فيه وصفا من أخص أوصاف الربوبية، وهو ربوبية التدبير بالنفع والضر، فنزله منزلة مجري الأسباب بالزيادة والنقصان، فما الشرك الظاهر الذي يقع المقلدة فيه غلوا في رهبانهم أو أئمتهم أو شيوخهم، ما ذلك الشرك العملي إلا مظهر لشرك علمي باطن، على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين الباطن العلمي والظاهر العملي، فـ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، مع أن: (كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، فقد أساءوا السيرة فصيروا الديانة مأكلة، وصارت الرياسة معقد الولاء والبراء، ورضوا بتحالف أثيم مع طواغيت السياسة فاجتمع على الناس: طغيان باسم الديانة، وآخر باسم السياسة فكل قد استقل بملكه وكل قد أفسد فيه، فرضوا بذلك التحالف نظير مكاسب عاجلة، ولو ضاعت علوم الرسالة بالطمس والتحريف، فكتموا ما ينقض باطلهم من الحق، وكتموا خبر الرسالة الخاتمة التي تنسخ ما بقي من حق في كتبهم، وتفضح ما جنته أيدي رءوسهم من تبديل بلغ حد النسخ بالرؤى والأحلام، فـ: (لَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ)، فلو أقاموها بعلومها وأعمالها الدينية لفتحت عليهم البركات الدنيوية، فإقامة الدين: صلاح للمعاش العاجل، والمعاد الآجل، والتاريخ على ذلك خير شاهد، فما ظهرت أعلام الرسالة في أرض إلا ظهر فيها من أجناس الصلاح والأمن ما يطمئن به القلب فـ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وينعم به البدن، فـ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، والشاهد أن الغلو بتشبيه المخلوق الناقص بالخالق الكامل، ذريعة علمية إلى الوقوع في الشرك باطنا بتعظيم المخلوق تعظيما يفوق قدره، فالتعظيم لأهل الفضل من الأنبياء والصالحين أمر مشروع بل واجب، ولكن الغلو في تعظيمهم بالإطراء أمر محظور بل محرم، بل هو الذريعة، كما تقدم، إلى الوقوع في الشرك الباطن فتتعلق القلوب بغير الله، عز وجل، تعظيما ومحبة وخوفا وخشية وتوكلا ...... إلخ من أجناس التأله التي لا ينفك عنها قلب، فهي مادة حياته، فالقلب لا حياة له إلا بحركة دائبة: تصورا وإرادة، فتنشأ إراداته من تصوراته، فإذا فسد الأصل فسد الفرع تبعا، فتلك ضرورة عقلية يشهد لها الشرع فـ: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"، والحس، فتحرك القلب بإرادات الشر:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير